الوعي والمشروع التنموي

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

لا يمكن أن تنجح المشاريع التنموية والخطط المستقبلية الاستراتيجية دون وجود مشروع توعوي متكامل يرافق إطلاق هذه المشاريع ويتزامن مع مراحلها بشكل متوازي من البداية وحتى النهاية، وهذا أمر ضروري لتحقيق أهداف المشروع الوطني على وجه الخصوص وذلك لعدة أسباب سوف أتطرق إليها في المقال لمحاولة فهم الفلسفة التي تصاحب المشاريع طويلة الأمد.

إن الحملات الإعلامية والتسويقية التي تطلق ضمن حزمة البرامج المرافقة للخطط الاستراتيجية تتعرض لتحديات كبيرة تسبب توقفها في مراحل هامة من المشروع وقد يكون احد اهم هذه الاسباب عدم وجود استراتجية إعلامية خاصة بها وضعف الاهتمام وقصور منهجية تدفق المعلومات إليها واعتقاد المسؤولين أن الوضع مستقر ولا حاجة للمواصلة في المنهجية التوعوية مثلما كان في البداية.

وتكمُن أهمية هذه الحملات في عدة جوانب وربما أهمها تحقيق مبدأ الشراكة بمعناه الصحيح والكامل فلا يمكننا الادعاء بوجود الشراكة الحقيقية دون وجود معرفة كاملة وإحاطة تامة بجوانب الخطة ومراحلها وابعادها والقيمة المضافة التي تقدمها للمجتمع والزمن المتوقع لانجازها وحتى الآثار المترتبة على عدم المضي في تنفيذ الخطة الاستراتيجية من المهم معرفته.

وهناك جانب آخر لا يقل أهمية عن الشراكة وهو مبدأ الرقابة المجتمعية على المشاريع الوطنية، حيث ان افراد المجتمع هم هدف التنمية وغايتها وهم من وضحت هذه الاستراتيجيات من أجلهم لذلك يصبح لزامًا عليهم متابعتها ومراقبة تنفيذها والإلمام بتفاصيلها من البداية إلى النهاية، ولتحقيق مبدأي الشراكة والرقابة لابد من وجود خطة متكاملة تساهم في تحقيق ذلك وتضمن تدفق المعلومات للمواطن بشكل واضح وشفاف بعيد عن المبالغة في ابراز المحسنات وإخفاء المشوهات والبعد عن الذاتية التي تضع الميول والرغبات في الواجهة.

إنَّ المعرفة التي تتوفر للمجتمع حول الخطط والاستراتيجيات المستقبلية هي ضمان نجاح لها وإلمام كل الأفراد بالتوجهات المستقبلية عنصر أساسي من عناصر الخطة وفي مراحل معينة تحتاج الخطط والبرامج إلى التقييم المجتمعي لمعرفة ردود الأفعال المختلفة وقياس تأثيرها على المجتمع وتحديد الأولويات في ضوء المتغيرات الجديدة التي تطرأ مع مرور الوقت خصوصًا أن هذه الخطط تبنى لمراحل زمنية طويلة.

وعندما لا يكون هناك عمل توعوي يناسب العمل الخططي والتنفيذي سوف يكون تأثير ذلك على الوعي العام وسوف نشاهد ردود أفعال سلبية اتجاه كل ما يخص هذه الخطط، وهذا أمر طبيعي وبديهي فقد قيل في الاثر (الإنسان عدو ما يجهل ) ومقاومة التغيير ومساعي الإحباط والتثبيط أمور معتادة في اي مجتمع فما بالك عندما يتعلق الأمر بالمصالح الشخصية التي قد تتضرر من مشروع ما خاصة وان كان ذلك المشروع متعلق بتطوير منظومات عمل سابقة أو وضع حدود لممارسات سابقة.

ربما يرى كثير من المشتغلين في التخطيط الاستراتيجي أن الجوانب المالية هي الاساس الذي يجب اعطاءه الاهتمام الأكبر ومن أجل ذلك يضعون جل تركيزهم على هذه الزاوية وهي بكل تأكيد هامة ولكنها ليست العنصر الاوحد الذي يجب أن يكون محور الاهتمام، فالتسويق الجيد والايمان بالشراكة وحق المجتمع في الرقابة والمتابعة جوانب أساسية في نجاح المشاريع وهي ادوات متى ما استخدمت بشكل صحيح فهي قادرة حتى على خلق مصادر للتمويل فالمشروع الوطني الذي يحقق الشراكة بمعناها الحقيقي عامل جذب لرؤوس الأموال واستثمار ناجح كما تراه الشركات الكبرى وتسعى اليه في سبيل بحثها عن مصالحها الخاصة، لذلك لا يجب الاستهانة بأحد عوامل القوة.

عدم تقبل البعض لأي مشروع تنموي نهضوي، أمر حاصل عادة في كل شعوب العالم، وهذا امر طبيعي وينطبق على جميع المستويات من الاسرة كمجتمع صغير إلى الدول ككيان مجتمعي كبير، وهذا ما يُعرِّفه جوستافو لوبين في كتابه "سيكولوجية الجماهير"؛ حيث يكون التأثير مُتسلسلًا، وتبدو تصرفات المجتمع من خلال التقليد والتأثر بما يصله خصوصًا عندما لا يتم التركيز على قضية خلق الوعي المجتمعي السليم اتجاه اي قضية، ويتم استغلال ذلك من خلال اصحاب المصالح لتوجيه الرأي العام نحو الرفض تحت تأثير المعلومات التي يوفرونها هم لهم، وهنا لا يمكن لوم المجتمع عندما تقف المؤسسات المعنية مكتوفة الأيدي بينما يعمل الآخرون.

تعليق عبر الفيس بوك