التهجير القسري والتهجير المُضاد

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

يكشفُ "طوفان الاقصى" كلَّ يوم عن مخططٍ للعدو ورُعاته لمصير قطاع غزة بالتحديد، كان في طيِّ السرية والكتمان، ومن جملة المستور المباح اليوم: ضرورة العمل على تهجير ما لا يقل عن مليون ونصف مليون فلسطيني من سكان القطاع -والبالغ عددهم اليوم مليونيْن وثلاثمائة ألف نسمة- إلى خارج جغرافية القطاع.

والتهجير في المخطط، وبهذه النسبة السكانية، ضرورة قصوى لتمرير مشروعات المعبر التجاري "الهند-غزة"، وقناة "بن جوريون"، واستثمار غاز غزة وثرواتها البحرية، مع توظيف من تبقى من سكان القطاع -بعد عودة ضم غزة للكيان إداريًّا- كعمال للمشروعات المذكورة.

يكشفُ هذا المخطط اليوم وجلاء تفاصيله بالتزامن مع استنطاق أسباب المُماطَلة في مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وخُطى التسريع بالميناء العائم بغزة الذي تُنفِّذه الولايات المتحدة، وتَحفُّز قبرص وتهيئتها من قبل "أم الكبائر" -بريطانيا- لأمرٍ جللٍ؛ بعدما كان لها اليد الطولى في تهجير سكان فلسطين وتمكين الصهاينة بفعل مد عصاباتهم بالسلاح بكثافة عام 1948م، ونشرت الحافلات بكثرة في المدن والبلدات الفلسطينية، وعرضتْ التهجير "المؤقت" على السكان العُزَّل حينها بزعم تجنيبهم المعارك والقتل.

واليوم.. تستعير أمريكا "سيناريو بريطانيا" في تهجير سكان القطاع تحت القصف والدمار والقتل الصهيوني، واستبدلت الحافلات بالسفن العملاقة المتأهِّبة في عرض البحر مُنتظرة جَهوزية الميناء والإجهاز على رفح لتنفيذ المخطط الحُلم.

الغريب أنَّ مخطط التهجير هذا يحملُ في طيَّاته مُخططات أخرى وتفاصيل فرعية، يُمكن قراءتها للمتابع بسهولة؛ ومنها: تقسيم المُهجَّرين إلى فرقٍ وأقوامٍ، وتهجيرهم من قبرص إلى جغرافيات أخرى عربية أو غربية لتعظيم عوائد التهجير ومنافعه.

وفي المقابل، يُبرهن هذا المخطط براءة مصر من قبول التهجير إلى أراضيها رغم المُغريات الكبيرة لها بالأموال الطائلة، وكذلك تعذُّر إكراهها بتمرير التهجير القسري عبر أراضيها إلى وجهات أخرى بفعل الموقف الصلب للدولة العميقة، والمتمثلة في القوات المسلحة المصرية الباسلة.

أحلام الكيان الصهيوني ورعاته كثيرة وكبيرة، لا حَصْر لها، ولا تنتهي، ورِهَانهم الدائم على نجاحها يتمثَّل في عنصرين: غطرستهم، ووهن النظام الرسمي العربي، وهذا ما جعلهم يصطدمون مرارًا بإرادات وعوامل أخرى ساقطة من حساباتهم، وتكون سببًا في فشلهم وبوار رهاناتهم ومخططاتهم؛ ومنها: الإرادة الشعبية العربية التي تستيقظ أمام كل مخطط غربي يفتُر ويضعُف تجاهه النظام الرسمي العربي، هذه اليقظة التي تحولت من الحراك الصامت في الماضي إلى فصائل مقاومة اليوم، تنُوب عن النظام الرسمي العربي والجيوش النظامية، وتحفظ لهما المكانة والكرامة، في سابقة تاريخية لم تشهدها أمة من الأمم.

من هنا.. يُمكننا القول -وبالقطع كذلك- إنَّه ولو أقدم الكيان الصهيوني ورعاته والحالمون بتمكينه والتطبيع معه على تنفيذ المرحلة الأولى من المخطط بالإجهاز التدريجي على رفح، فستُفتح عليهم أبواب جهنم من كافة الجغرافيات التي تواجههم اليوم، ولكن هذه المرة ستكون المواجهة بلا سقف أو قواعد اشتباك.

وبالنتيجة، سيكتشفُ العدو أنَّه يحرق أطرافه بهذه المغامرة الوجودية التي أوْقَع نفسه فيها، وقصَّر من عمره الافتراضي على أرض فلسطين، وسيكتشفُ أنَّ التهجير والنزوح داخل الكيان كارثة بفعل الحِمَم التي سيتلقاها من كل حدب وصوب؛ انتصارًا لغزة وإفشالًا لأحلامه.

الأمريكي معروفٌ عنه أنَّه كائن لا يُفكر؛ بل يُجرب حتى يفشل، والكيان الصهيوني وَرث عنه ذلك، واستنسخ تلك الحماقة بجدارة؛ وبالدليل كان الأجدر بهما الاتِّعَاظ من سلسلة الفشل التاريخي لهم في مواجهة الشعب العربي، منذ "حلف بغداد" عام 1955، وحتى "الطوفان"، مرورًا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وحرب الاستنزاف 1968-1970، ومعركة الكرامة (1968)، ومطحنة لبنان عام 1982، تتويجًا بملحمة حرب يوليو 2006.

الغطرسة والجبروت والفوقية حجبت الرؤية عن الكيان ورعاته، وجعلتهم لا يُدركون أن فصائل المقاومة هي استثمار وجودي لحلف المقاومة، وأن التفريط في فصيل يعني التفريط بالتداعي بالجميع، تمامًا وكما يرى الأمريكي والغربي الكيانَ الصهيونيَّ كاستثمار وجُوْدِي لهم، والفارق بين الاستثمارين أنَّ الأول حق، والثاني باطل.

وبالشكر تدوم النعم...،

-----------------

قبل اللقاء: لم يُدرك العدوُّ الصهيوني ورعاته بعد أنَّ معركتهم اليوم مع الشعب العربي وليست مع النظام الرسمي العربي، والشعب يقاتل بالإرادة وبالأرض معًا.