البرنامج الوطني لاستدامة البنية الأساسية

 

د. ماهر بن أحمد البحراني **

تعرضت سلطنة عُمان خلال الأسبوع الماضي بتاريخ 16 أبريل إلى منخفض المطير الذي عصف بالمحافظات الشمالية، وادى إلى وفيات وأضرار بالممتلكات العامة والخاصة، وقد زادت خلال العشرين سنة الماضية الأعاصير والأنواء المناخية التي تعرضت لها السلطنة بدأ من إعصار جونو في عام 2007، وفيت ومكونو وشاهين وغيرها، وتسببت هذه الأنواء المناخية في الكثير من الأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية والممتلكات الخاصة والعامة، منها الطرق والجسور وشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، التي كلفت الدولة مليارات الريالات العمانية من أجل إقامتها خلال العقود السابقة، ويجب على الجهات المختصة إعادة النظر في المواصفات والمقاييس التي على ضوئها يتم إقامة وبناء البنية الأساسية، وأماكن بناء الممتلكات العامة والخاصة وإبعادها عن مجاري الأودية وإقامة السدود والقنوات المائية ومجاري مياه الأمطار والسيول.

ومن أجل مجابهة هذه الأنواء الطارئة صدر المرسوم السلطاني رقم 2/2024 بإنشاء الصندوق الوطني للحالات الطارئة بتاريخ 1/1/2024 ويختص الصندوق بمواجهة الحالات الطارئة والكوارث الطبيعية كالأنواء المناخية والفيضانات والزلازل وغيرها والتي تلحق الأضرار بالمرافق العامة والبنية الأساسية وتقديم التمويل اللازم لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها، لكن المرسوم لم يحدد طرق وطبيعة تمويل الأضرار التي تلحق بالممتلكات الخاصة بالأفراد والشركات، كما يجب العمل على وضع التشريعات اللازمة للتأمين على الممتلكات العامة والخاصة ضد الكوارث الطبيعية بالتنسيق مع البنوك وشركات التأمين.

ويتحتم على الحكومة وضع برنامج وطني لاستدامة البنية الأساسية، كبرنامج يُعمل به في إطار وطني مثل برنامج التوازن المالي، الذي كرست الدولة جهودها من أجل إنجاحه.

إن البرنامج الوطني لاستدامة البنية الأساسية هو جهد وطني متعدد القطاعات يهدف إلى تحسين وتطوير البنية الأساسية الأساسية في عمان، على أن يشمل هذا البرنامج تطوير الطرق والجسور، وشبكات النقل العام، والمطارات، وشبكات الاتصالات، والمرافق العامة وغيرها من البنى الأساسية الحيوية، ويعمل على تعزيز التنمية الاقتصادية، وتحسين جودة الحياة، وزيادة فرص العمل، وتعزيز القدرة التنافسية للدولة.

إنَّ تطوير البنية الأساسية يتطلب تخطيطًا متكاملًا وتعاونًا بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ويجب أن تتم عمليات التطوير بطريقة مستدامة ومتوازنة لضمان استدامة المشاريع على المدى الطويل وحماية البيئة، كما يجب أن تأخذ البرامج الوطنية للبنية الأساسية في الاعتبار احتياجات السكان وتطلعاتهم، ويمثل تحديث البنية الأساسية تحولاً شاملاً نحو مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا؛ حيث يجمع بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في إطار متكامل لتحقيق التنمية المستدامة.

وأحد الجوانب المُهمة التي يمكن أن يسهم فيها تحديث البنية الأساسية الوطنية هو تعزيز الإنفاق العام وتوليد فرص العمل. وتؤدي المشاريع الكبيرة في مجال البنية الأساسية إلى توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للعديد من المواطنين، بما في ذلك الفنيون والمهندسون والعمال المهرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تشجع الاستثمارات في البنية الأساسية على نمو الشركات المحلية وتعزيز الابتكار والريادة في القطاع الخاص . باختصار، يمكن أن يلعب تحديث البنية الأساسية الوطنية دورًا حاسمًا في تعزيز التنمية الشاملة وتعزيز قدرة الدولة على تحقيق الازدهار المستدام.

إن تحديث البنية الأساسية يتطلب تحديث عدة عناصر منها:

  1. السدود:

وتُعد السدود جزءًا مُهمًا من البنية الأساسية في العديد من البلدان؛ حيث تستخدم للسيطرة على تدفق المياه وتخزينها للاستخدام في الري وتوليد الطاقة الكهرومائية وغيرها من الأغراض. وتؤدي السدود دورًا حيويًا في تأمين المياه للزراعة والشرب والصناعة، وتخفيف تأثير الفيضانات، وتوفير مصادر الطاقة المتجددة. وعلى الرغم من فوائد السدود، إلا أن بناءها يثير أحيانًا قضايا بيئية واجتماعية. قد يؤدي غمر المناطق السكنية والزراعية إلى تهجير السكان المحليين وتأثيرات سلبية على البيئة والتنوع البيولوجي.

بالتالي، يمكن القول إن السدود، عندما يتم تخطيطها وبناؤها بشكل مستدام ومتوازن، تمثل مصدرًا هامًا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير الطاقة والمياه، مع الحفاظ على البيئة وتقليل التأثيرات البيئية السلبية قدر الإمكان، وتوفر السدود فرصًا لتطوير الأنشطة الترفيهية والسياحية في المناطق المحيطة بها، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل إضافية. والسدود أداة قوية لدعم التنمية المستدامة إذا تم تصميمها وبناؤها وإدارتها بعناية وفقًا لأفضل الممارسات الدولية وبالاستفادة من التجارب السابقة والدروس المستفادة.

  1. شبكة الطرق والجسور:

أثناء الفيضانات، تصبح الطرق والجسور عرضة للتأثيرات السلبية التي قد تؤثر على السلامة العامة والبنية الأساسية، منها انقطاع الطرق حيث يؤدي ارتفاع منسوب المياه إلى غمر الطرق بالمياه وجعلها غير صالحة للمرور، كما أن الفيضانات تتسبب في تآكل الأسفلت وتلف البنية الأساسية للطرق والجسور، ويمكن أن تجرف الفيضانات السيارات والمركبات وتتسبب في تضرر الجسور أو حتى انهيارها. ولتجنب هذا، يتعين تطوير تصميمات جسور تتحمل تدفقات المياه العالية وتقليل التأثيرات السلبية للفيضانات، وتؤدي الفيضانات إلى انقطاع التيار الكهربائي وامداد المياه وتعطل الاتصالات، مما يجعل من الصعب تنسيق الإجراءات الطارئة. لذا، يجب توفير خطط احتياطية للاتصالات وضمان توفير الطاقة البديلة خلال الفيضانات، وفي بعض الحالات، قد يتسبب انهيار الجسور في عزل المجتمعات المحلية وتعطيل وصول المساعدة الطبية والإمدادات الضرورية. لذا، يجب تصميم الجسور بطريقة تضمن استمرارية الوصول والاتصال بين المناطق المتضررة

بشكل عام، تتطلب إدارة شبكة الطرق والجسور أثناء الفيضانات التخطيط المسبق والتحضير الجيد، بالإضافة إلى الاستجابة السريعة والتعاون الفعّال بين الجهات المعنية لتقليل التأثيرات السلبية وضمان سلامة المجتمعات المتأثرة.

  1. أوضاع الأراضي:

أثناء الفيضانات، يتسبب ارتفاع منسوب المياه في غمر الأراضي الواقعة في مناطق الفيضانات، مما يؤدي إلى خسائر في المحاصيل الزراعية وتضرر الممتلكات والمباني، وجريان المياه السريعة خلال الفيضانات يؤدي إلى تآكل التربة وفقدان الطبقة العليا الخصبة؛ مما يؤثر على إنتاجية الأراضي الزراعية في المستقبل، كما تحمل المياه خلال الفيضانات مواد ضارة مثل الفضلات الصناعية والزيوت والكيماويات؛ مما يؤدي إلى تلوث التربة وتدهور جودتها وتأثيرها على النباتات والمحاصيل، ويمكن أن تؤثر الفيضانات بشكل كبير على السكان المحليين والمجتمعات، مثل تشريد السكان وتدمير المنازل والممتلكات، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية مما يؤدي إلى تدهور الأوضاع المعيشية.

وفي ظل هذه التحديات التي تواجه السلطنة يجب التفكير في انشاء برنامج وطني لاستدامة البنية الأساسية، وانشاء هيئة أو وزارة حكومية معنية بذلك كوزارة أو هيئة المنشآت والمرافق العامة تكون مهمتها إنشاء والإشراف على جميع المنشآت المرافق العامة الحكومية وينقل لها جميع موظفي دوائر المشاريع بالجهات الحكومية إليها على أن تتولى الجهات الحكومية صيانة هذه المنشآت والمرافق العامة بعد استلامها من الجهة المعنية بالإنشاء، وذلك من أجل زيادة الكفاءة وتقليل وترشيد التكاليف المالية وتوحيد الجهود الحكومية وتوحيد الإجراءات والمواصفات والاشتراطات للأبنية والمرافق العامة من مباني الوزارات والمدارس والمستشفيات وشبكة الطرق والجسور والبنية الأساسية مثل الكهرباء والماء والاتصالات، على أن تتفرغ الجهات الحكومية المختلفة للقيام بأعمالها الرئيسية دون تشتيت جهودها وجهود الحكومة في إقامة هذه المنشآت والمرافق العامة.

** دكتوراة في الإدارة والتنمية

تعليق عبر الفيس بوك