أيقونة الإمارات.. وسمو الشيخ محمد بن زايد

 

علي بن سالم كفيتان

يتمتع سُّمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بذكاء عاطفي قلّما تجده في زعيم آخر، فقد التقيت الرجل للمرة الأولى والوحيدة وجهًا لوجه في خيمة عزاء بإمارة أبو ظبي قبل عدة أعوام، ورغم أن الحدث كان أليمًا وهو فقدان عدد من جنود وضباط الإمارات في جبهات قتال خارجية، إلّا أنَّ قدرة سموه على جبر الضرر كانت كبيرة من خلال حضوره الطاغي في المكان وشخصيته المتواضعة، والحزن الشديد المُرتسِم على وجهه.

قطع بن زايد زيارة دولة كان يقوم بها إلى إحدى الدول في آسيا الوسطى ليعود مُعزيًا إلى بني ياس، وعندما كانت الطائرة الرئاسية تُحلِّق عائدةً لتقديم واجب العزاء، تقاطرت على الخيمة التي أقامها الحرس الأميري شخصيات إماراتية بارزة مثل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة وحاكم دبي، وعدد من أصحاب السمو الشيوخ ورؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية وحكام الإمارات الأخرى، وشخصيات بارزة في الدولة. في كل مرة تقف الجموع التي شغلت جميع مقاعد الخيمة الضخمة لاستقبال شخصية معينة، لم يكن هناك سجاد أحمر ولا تدافع للحراسات.. تقف سيارة في الفناء ليخرج منها شيخ عربي بعقاله ولبسه البسيط، يُقدِّم الواجب ويقفل راجعًا من حيث أتى. هذا المشهد ولَّد لديّ قناعة بأنَّ الرجل الذي يقود هذه الدولة يمتلكُ قوة غير عادية في التضامن مع شعبه، ويجيد فنون القيادة العاطفية من خلال التواضع؛ كشيخٍ عربيٍّ قَبِلَ أن يكون رئيس دولة.

قد يتفق معي البعض أو يختلفون على أن هذه الدولة الشقيقة، تم شيطنتها بشكل غير مسبوق، عندما شكَّلت سياساتها الداخلية والخارجية وفق رؤيتها الجديدة، في الوقت الذي لسنا معنيين بتتبع سياسات الدول الأخرى والحُكم عليها، ما لم تتدخل في شؤوننا؛ وهي فلسفة أرساها السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ووثقها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان- رحمه الله- ويسير على خطاهما اليوم القيادتان الحكيمتان؛ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان- حفظهما الله ورعاهما.

نحن في عُمان لا ننسى أدوار دولة الإمارات العربية المتحدة مع بلادنا في بداية عصر النهضة المباركة؛ وهم لا ينسون ما قدمه كذلك السلطان قابوس من دعمٍ لقيام دولة الإمارات وفق نهجها الفريد اليوم. ومن هنا نتوقع دائمًا من لقاءات الزعامتين الكثير من الخير لشعبي البلدين. ولا شك أن نتائج زيارة جلالة السلطان للإمارات قبل أيام، قد ظهرت جليًا للمُتابعين، من خلال التوقيع على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية المُهمة، بين البلدين؛ فالإمارات في ظل نموها الكبير وتقدمها الباهر تستطيع أن تخلق تكاملًا مع سلطنة عُمان، وأبرز الجوانب التي يمكن طرحها هي التكامل السكاني بين البلدين، وسد الفجوات في هذا الجانب؛ فدولة الإمارات قامت على الاقتصاد الحر واستقطبت ملايين الناس من بقاعٍ شتى في العالم، ونعتقد أن الظهير السكاني في سلطنة عُمان قادر على القيام بدور حيوي في الإمارات، من خلال خلق الفرص والسير بعيدًا في تعزيز امتيازات المواطنين في كِلَا البلدين، لرسم أنموذج جديد يبعث على السلام والتكامل في منطقتنا.

وفي مجال ما بدأته من حديثي عن الشيخ محمد بن زايد؛ كإنسان، أجدُ بعض المشاهد التي يستوجب سردها هنا، ولعل أولها حضور الرجل بشكل عفوي دون تكلف الإفطار الرمضاني في جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، والجلوس في طرف المائدة مع جموع المسلمين من مختلف الجنسيات. والكل رأى الانبهار في عيونهم، من خلال الصور التي التُقِطَتْ للحدث. والحدث الآخر هو تكريم شخصيات كان لها دور بارز في دولة الإمارات؛ حيث جلس القرفصاء ليتحاور مع رجل على مقعد متحرك، كما قبَّل يد امرأة إماراتية كبيرة في السن كانت ضمن المكرمين في تلك الحفلة، واستدعى جميع أفراد عائلة امرأة أخرى لالتقاط صورة تذكارية عفوية، وحرص سموه بنفسه على قيادة المقعد المتحرك لأحد المكرمين تواضعًا وكرمًا من سموه. لا شك أنها لحظات استثنائية لهؤلاء الناس الذين فقد بعضهم نصف جسده في سبيل إنقاذ آخرين، ولا شك أنها لحظات مُلهمة لكل الشعب الإماراتي الشقيق.

المواطن في دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم، يُصنف ضمن الأكثر دخلًا في العالم، ويتمتع بميزاتٍ لا محدودةٍ تُنمِّي فيه روح المواطنة، وتُرسِّخ بداخله الولاء للقيادة، ويعدُ جواز السفر الإماراتي من بين أقوى الجوازات في العالم؛ حيث يستطيع الإماراتي السفر إلى كل دول العالم تقريبًا، ويحظى بالرعاية والاهتمام الدائمين. والإمارات هي الدولة الرائدة في مجال التحوُّل التدريجي في عدم الاعتماد على النفط؛ فإمارة دبي- مثلًا- لا يُشكِّل النفط فيها سوى 5% من إيراداتها السنوية، وتمتلك أبوظبي قصب السبق في خيارات الطاقة المتجددة على المستوى العالم. كل هذا يجعلنا نُراهِن على جارنا في الجغرافيا والتاريخ ووشائج القربى، لخلق واقع أفضل لشعبي البلدين بإذن الله.