علي بن مسعود المعشني
المسرح يُسمى أبو الفنون، وألعاب القوى تُسمى أم الألعاب، والأب والأم هما المصدر والأساس للحياة والسلالات البشرية، وكما نعلم جميعًا؛ فالفنان الذي يلتحق بالمسرح في بداية حياته الفنية، يُمكنه الإبداع في جميع الفنون الفنية والدرامية الأخرى لاحقًا من سينما وتلفزيون وإذاعة، واللاعب الذي ينطلق من مدرسة ألعاب القوى، يُمكنه ممارسة جميع ألعاب القوى لاحقًا بجدارة وتفوق.
وفي حياتنا كثير من البشر تحكمهم انفعالاتهم وتقودهم ألسنتهم لا عقولهم في توصيف حالات بعينها بلا وعي منهم، أو توصيف شخص بمنزلة عدو لهم يريدون النيل من مكانته أو إنجازاته، فيرفعونه أكثر بلا وعي منهم كذلك؛ لأن عقولهم في ألسنتهم، كما يُقال بالعامية.
وكثير من التعليقات والتوصيفات والردود والآراء على عملية الرد الإيراني على الكيان الصهيوني يمكن توصيفها بأنها ردود نابعة من قوم عقولهم في ألسنتهم لا أكثر ولا أقل، وإذا أردنا التقليل في وصف حالتهم والاحتكام للعلمية المُجردة من العواطف، يمكن الجزم بأنهم قوم مصابون بكل مظاهر وأعراض حصار العقل وتغييب الوعي، وبالنتيجة مرفوع عنهم القلم شرعًا؛ لأنهم غير مُدركين لحقيقة ما يقولون، ولا لخطورة ما ينشرون ويروجون له من غثاء هم في الحقيقة أول ضحاياه وأكثرهم تضررًا منه.
قضيتنا هنا ليست في الحديث عن تفاصيل "مسرحية إيران" مع الكيان الصهيوني بقدر حرصنا على تشخيص هذا العقل العربي الذي أصبح صهيونيًا وظيفيًا يُصلي معنا صلاة العشاء في الجامع، ثم يتفرغ تطوعًا للدفاع عن الصهيونية وامتداحها، وكما حذر ووصف الدكتور عبدالوهاب المسيري- رحمه الله- في موسوعته الرائعة والعميقة عن الصهيونية، والتي تنبأ فيها وحذر من الخطر القادم على الأمة العربية والمتمثل في العقل العربي المُتصهْيِن.
كما وصف عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي- رحمه الله- في كتابه الرائع "مهزلة العقل البشري"، الكثير من خصائص العقل البشري الجامد والمرن وعدد الكثير من المواقف التي تُرافق هذه الحالات كشواهد وأمثلة. ولعلنا كمُسلمين نتذكر موقف وتوصيف كفار قريش للنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل الوحي وبعده؛ حيث كان يُعرف بينهم ويُلقب بـ"الصادق الأمين" قبل التكليف والوحي، ثم وصفوه بعد الوحي والنبوة بـ"شاعر وكذاب ومجنون"!!
وقد استعرض المُفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي- رحمه الله- عددًا من أمثلة حصار العقل وخطورتها على الفرد والمجتمع في كتابه "النباهة والاستحمار".
كثيرةٌ هي الأمثلة والمواقف والتحليلات النفسية التي يمكن الاستدلال بها لتوصيف وتشخيص حالات الاستحمار والنباهة، وحصار العقل، ومهازل العقل، وجميعها حالات خطيرة على الفرد والمجتمع؛ كون هذه الأمراض والأوبئة أصبحت من العلوم الحربية التي يُوظِّفها العدو في حروبه الشاملة مع الآخر حتى يخلق بُنى عقلية مُسطحة في النظرة والتفكير، ويستهدف النُخب بالدرجة الأولى؛ لعلمه أنهم سيتكفلون لاحقًا بوعي وبلا وعي ببسط السطحية والبؤس والفجيعة بين أوساط مريديهم وأشياعهم في مجتمعاتهم كنوع من الوجاهة الفكرية.
مشكلتنا في الوطن العربي، أننا مجتمعات وشعوب لا تقرأ، لهذا انتقلنا من أعراض الشفاهة بالأمس الى أحضان التفاهة اليوم. يقول المثل الصيني: "ما لم تقرأ لثلاثة أيام فلن تجد جديدًا تتحدث به". (فما بالنا بحالة من لم يقرأ لثلاثة عقود أو يزيد؟!).
قبل اللقاء.. يقول الحق تبارك وتعالى: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" (الأعراف: 179).
وبالشكر تدوم النعم.