الاهتمام العالمي بالحوكمة (2-2)

 

د. علي بن حمدان البلوشي

 

الحوكمة كما أكد البنك الدولي (2011)، هي ترجمة لقيم الديمقراطية وتمكين أفراد المجتمع من المشاركة في صنع القرارات والتنمية المستدامة وهذا ما أكد عليه أيضا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول أهمية التواصل والتفاعل ومبدأ التشاركية والتعاون بين أطراف العمل المتمثلة في الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، ولذا أصبحت الحوكمة هي الأداة التي تستند عليها المنظمات الدولية لتحقيق أهداف المساعدات المالية والفنية ويأتي في مقدمتها الشفافية والمساءلة والكفاءة في النظم الإدارية مما يضمن توجه وأهداف البنك الدولي الذي يركز على الإصلاح الإداري والتنموي والسياسي المرتكز على القيم الديمقراطية.

نظرا للتطورات الحديثة في الأدوار الحكومية وكذلك الأفكار العلمية والأكاديمية تغير مفهوم الحوكمة متأثرا بعوامل داخلية وخارجية ومنها العولمة وظهور دور المنظمات غير الحكومية التي أكدت على حقوق الإنسان وكذلك دخول التقنية الحديثة والتغيير في دور القطاع الخاص وأهمية مشاركة المجتمع المدني من أجل التنمية المستدامة. إلا أن أهم هذه العوامل هو تفشي ظاهرة الفساد على المستوى العالمي مما استدعى حتمية إيجاد طرق وأدوات تمكن الحكومات للتصدي لهذه الظاهرة. ويكمن الاستنتاج أن المفاهيم الحديثة للتنمية خاصة في حقبة التسعينات أوجدت تحركا عالميا لإعطاء الفرد مزيداً من الحرية والقرار في اختيار الأسواق المستهدفة وبالتالي أدى إلى تحول في السياسات الدولية لتحديد وتغيير أولوياتها وفقاً للعوامل الخارجية.

وكما جاء في تقرير الإسكوا في 2019 حول الحوكمة في المنطقة العربية فإن العوامل الاقتصادية التي ساعدت على ظهور مصطلح الحوكمة الذي تبنته المنظمات الدولية تمثلت في الأزمات المالية العالمية الناتجة عن عدم الثقة في المؤسسات والتشريعات المنظمة لهذه الأعمال والتي بدورها كان لها أثر في العلاقات بين قطاع الأعمال والحكومات مما أدى الى انتشار الفساد بين هذه الشركات على المستوى العالمي وخاصة الشركات الأمريكية الكبرى مثل شركة إنرون. لقد أصبح جشع الشركات واضحًا للتحكم في الأسواق العالمية من خلال ممارسة الاحتكار، الأمر الذي أثر على الاقتصاد العالمي. وعليه كان لزامًا على الحكومات الاستجابة لتبني الأساليب الحديثة في الإدارة والتركيز أكثر على التعليم والمحاسبة لضمان حقوق المساهمين وحقوق المجتمع ليصبح مفهوم الحوكمة أكثر شمولية لمؤسسات المجتمع بأكملها. كما ساهمت العديد من التحولات التي كان لها تأثير على الاقتصاد العالمي في تطوير مفهوم الحوكمة ومنها العولمة المالية والتجارية وتدفق الأموال عالميا مستفيدة من تقنية المعلومات والاتصالات في سرعة إنجاز المعلومات وتحقيق الأرباح لأكبر عدد من المستفيدين. كما ساهمت هذه العوامل في ظهور مؤسسات إسلامية متعددة الجنسيات ولها قدرة تنافسية وقريبة من المجتمع بمختلف شرائحه لتعظيم الفائدة المجتمعية مستفيدة من مبادئ الحوكمة والإدراة الحديثة منهجاً محكماً في تنمية وتطوير المؤسسات العامة والخاصة. أما عن العوامل الاجتماعية التي ساهمت في ظهور الحوكمة هي الفجوة الملاحظة بين الحكومات وإدارتها وبعدها عن المجتمع المدني والحاجة الماسة لسد هذه الفجوة من خلال المشاركة المجتمعية ووجود ممثلين عن المجتمع لنقل متطلباتهم وآرائهم خاصة فيما يتعلق بالسياسات والتشريعات التي تضمن التنمية المستدامة وتخدم مصلحة المجتمع. كما لعبت المنظمات غير الحكومية دورا في تنظيم وتطوير برامج المساعدات التنموية ومساندة الدول النامية في تطوير أنظمتها الإدراية والتشريعية وتثقيف مجتمعاتها لضمان مشاركتها في اتخاذ القرارات وبالتالي تطبيق مبادئ الحوكمة واتباع أساليب الإدارة الحديثة.

نختتم هذا المقال بأن الحوكمة الناجحة تعزز توزيع الصلاحيات وتحديد المسؤولية والمحاسبة، ومعرفة حدود اتخاذ القرارات على كل صعيد ولكل دور، فهي العلاج لمن يتخطى الصلاحيات، وكذلك لمن لا يستخدم صلاحياته، والتطبيق الصحيح يوصل إلى الشفافية والوضوح ويمنع "المحسوبية أو الواسطة" فيكون التعامل بشكل عادل مع الجميع وفقاً لمصلحة المؤسسة وليس الأفراد ويحد من تضارب المصالح ويعزز أخلاقيات العمل. الحوكمة الصحيحة تسرع في الحصول على النتائج وتصحيح المسار والأخطاء فليس الهدف من المحاسبة العقاب فقط وإنما استخلاص الدروس المستفادة ومنع تكرار الأخطاء والرقي بالنظام والإجراءات والخبرات والمهارات إلى مكان نصل عنده إلى تحقيق المنفعة والأهداف والنمو والتركيز على الخدمة الاجتماعية والاستدامة، فضلاً عن زيادة الخدمات وتقليص النفقات وبالتالي زيادة الأرباح. تعتمد المنظمات على السياسات والإجراءات لتنظيم أعمالها وتمكين أجهزتها الرقابية لضمان استمراريتها في تحقيق أهدافها.

** أستاذ مساعد بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم

تعليق عبر الفيس بوك