بين 7 أكتوبر و14 أبريل.. هل تغير الإقليم؟

 

 

هكذا تربعت إيران على منصة الإبداع الاستراتيجي المبني على الردع والدفاع عن النفس

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

حق الدفاع عن النفس من المواضيع التي استخدمها الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، وفي سرديته الكاذبة لتبرير ارتكابه الإبادة الجماعية في غزة، وإذا كانت مواقف العالم الغربي المساند للصهاينة، والرعاية الأمريكية للكيان، لا تنسجم مع حياة مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ولا مع مشاعر وأحاسيس، واعتبارات عواطف وكرامة الشعوب، ناهيك عن حقوق البقاء والحريات على الأرض، في حين، أن حقوق هذه الشعوب هي أس الاستحققات الأصيلة لكل شعوب المنطقة، والدفاع عنها حق قانوني وأخلاقي لدول المنطقة في استخدام القوة أو التصرف لحماية أمنها أو الآخرين من أي تهديد أو خطر يهدد السلامة أو الحياة، كون أن الدفاع عن النفس، يعد جزءًا من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها عالميًا.

إذا كانت مواقف وقرارات العالم الغربي قد قارنت في هذا الجانب بين السردية الفاضحة لوجود كيان استعماري أصطنع على أرض فلسطين، ودفاع أصحاب الأرض عن أنفسهم وعرضهم ومالهم، وسرديتهم لحقهم المسكوت عنه، وذلك بناءً على سلسلة دفاعات، تتناول قضايا الإنسان الفلسطيني في مواجهة الحياة، التي شكل القتل، والتنكيل، والسجون، العنصرية، عناوين بارزة لأغلفة أو لفصول وجود الكيان الصهيوني، ووصف أفعاله على الأرض، وفي أهلها، لما اعتمرت سردية الكيان الصهيوني دوائر صنع القرار الغربي، أعتقد أنها حققت نجاحًا ملحوظًا لأوساط المجتمعات الغربية وتلك المتصهينة على حد سواء، خاصةً لما جمعت هذه السردية بين توظيف الخيال الواسع في الوصف وأسلوب الكذب الذي يتميز به اليهود الصهاينة، والتباكي في التعبير في نقل الحدث أو الأحداث وإيصال فكرة الدفاع عن النفس.

وحسبنا أن نشير هنا إلى: ما يحدث في كل الأراضي الفلسطينية، والاعتداء الأخير على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، فإن المشترك بين سردية الكيان الغاصب، ودفاع أصحاب الأرض عن أنفسهم نجده أخذ عند الغرب والمتصهينين طابع الانحياز التام لجهة الكيان المحتل، خاصةً في ما يتعلق بالبوح وإضاءة الأمكنة المظلمة في حياة الفلسطينيين ومعاناتهم، وتعرية أساليب القمع والقهر والتسلط والاستغلال والتمييز وباقي أشكال الحط من كرامة كل ما هو فلسطيني، وكراهيته وتعذيبه إلى حد القتل، والتصفية الجسدية للمقاومين ومن يقف معهم أو يساندهم.

سلوكيات العنف والقهر والقتل والمعاناة النفسية اليومية التي يمارسها الكيان المحتل في حق الفلسطينيين، والتي تجسدها أحداث غزة وما تلاها من اعتداءات ارتكبها الصهاينة على أراضي دول إقليمية بعد طوفان الأقصى، هي التي طالت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في قنصليتها بدمشق؛ لأن الكيان الغاصب بقدر ما هو كيان أوهن من أن يواجه الجمهورية الإيرانية الإسلامية، هو أداة خلقت على أرض فلسطين لحماية أطماع الغرب في منطقة الشرق الأوسط.

هكذا تربعت إيران على منصة الإبداع الاستراتيجي ليلة 14 أبريل، والمبني على الردع والدفاع عن النفس، فكان ردها على الاعتداء الصهيوني لا يقتصر هذه المرة على الشجب والوعيد، دون محاولة أو جرأة منها على تخطي أنماط الرد الموجودة، من حيث القوة والأهداف، إنما الرد الإيراني هذه المرة تعدى قوالب التعامل الجاهزة التي كانت سائدة وشائعة مع هذا الكيان اللقيط، ووصلت بها الجرأة إلى مستوى فضح الكيان الصهيوني وكشف وهنه وعورته، وإلزامه بتكريس الحقوق الكونية التي أقرتها الاتفاقيات والمواثيق الدولية، من هنا فإنَّ حق الدفاع عن النفس الذي مارسته إيران، ودفاعها عن قضية ومعاناة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى نظرتها الخاصة لتموجات الأحداث في الإقليم، صارت تتداول داخل محور المقاومة الإقليمية وخارجها، وصارت تتنفسها شعوب المنطقة نفسيًا وسياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وتترقب الفعل الإيراني تمامًا كما تترقب هلال الشهر.

وتأسيسًا على ما تقدم، يمكن القول إنه إذا كانت الردود الكلاسيكية تجاه ما يقترفه الكيان الصهيوني المُغتصِب في فلسطين قد أغنت المُتصهْينين بحب حياة الخنوع مع الكيان الصهيوني، فإن الرد الإيراني تحوَّل إلى آلية سلاح لمناهضة أساليب القبول بالكيان المصطنع، ورافعة أساسية تتوق إلى صون حقوق الفلسطينيين وكرامتهم كاملة غير مجزأة.

بطبيعة الحال، لست راغبًا هنا في إثارة إشكالية الماضي والحاضر ومناصريهما، بقدر ما أريد أن أوضح أنَّ الحق يُحفظ بالمطالبة مهما تقادم الزمن، فالظالم لم يأخذه قرضًا أو استعارة يعيده فيما بعد، والفلسطينيون وبفعل التحالف ضدهم، وعدم استعدادهم، وقعوا ضحايا التجاذبات العالمية وتنافسات الأقوياء من خارج الإقليم، واليوم هم أقرب لاستعادة حقهم من أي وقت مضى.

تعليق عبر الفيس بوك