توقيت الرد الإيراني ونتائجه

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

كنتُ وما زلتُ مُعجبًا بالخطوات التي أقدم عليها الألمان في زمن هتلر للتفرُّد بالعالم والسيطرة عليه؛ حيث اعتمدوا على قيمٍ 3 لتحقيق مبتغاهم وتمثلت في: تزكية الأخلاق، وتعزيز القيم النبيلة في المجتمع الألماني أولًا، ثم إنشاء المركز الألماني للدراسات النفسية، ومهمته تحليل نفسيات شعوب العالم لتسهيل اختراقها والتأثير بها وعليها، ثم بناء قوة عسكرية ضخمة بالتوازي مع قوة خاصة عقائدية خاصة تمثلت في وحدة الـ"SS"؛ قوامها شباب ألمان بمواصفات بدنية ونفسية وعقلية خاصة ومُنتقاة بصرامة، وتصنيع عسكري فاق قدرات زمانهم بمراحل في الكم والكيف.

علَّمَ الألمان العالَمَ حينها أهمية نظرية "اعرف عدوك أولًا"، وتعرّف على مواطن القوة والضعف لديه، وعلى رأسها موروثه القيمي ومنسوب الوطنية والقيم لديه، وزاده الحضاري. كما علَّمُوا العالم أهمية الجيوش الوطنية المُشبّعة بقيم الوطنية والمُطعّمة بالعقائد والقيم الأخلاقية خاصة لدى كبار القادة، وأهمية إطلاق العقول المُبدِعة في التصنيع الحربي والذي تم توظيف جزء مُهم منه في التصنيع المدني لاحقًا في أزمنة السلم. لهذا سطّر الألمان ملاحم عسكرية وقيمية وصناعات وابتكارات يُمكن الجزم أنها اختصرت قرونًا من الزمن على العقل البشري، وعلى قاعدة "الحاجة أم الاختراع"؛ حيث تميز الألمان وتفردوا لغاية اليوم بـ"الإتقان".

وحين نعود إلى عنوان المقال ومحتواه ونربطه بالمثال الألماني، نقول إن الإيراني يحمل صبر نساج السجاد، وفي المقابل يحمل قيم أبناء الحضارات، فهو يعلم كيف يُحافظ على مصالحه ومكانته ويثأر لكرامته، دون إفراط أو تفريط، مع معرفته وحساباته الدقيقة لحجم عدوه وقراراته وردود أفعاله المتوقعة. بينما في المقابل نجد أن الأمريكي أورث الصهيوني منطق القوة العارية المُجرّدة من العقل، والمنزوعة من معرفته الدقيقة بعدوه، لذا فهم يُجرِّبون حتى يفشلوا، ويفتعلون الأزمات ويخوضون الحروب بلا استراتيجيات خروج منها؛ لهذا نجدهم في مستنقعات من الأزمات التي لا تنتهي في كل مرحلة من مراحل سياساتهم ومغامراتهم.

وحين أعلنت إيران عن ردها على اغتيال عدد من قادتها وانتهاك حصانة قنصليتها بدمشق، اختارت تكتيكات تُناسب نفسية الصهيوني ورعاته؛ حيث قتلتهم بالترقب والتكهُّنات والوساوس أولًا، ثم قام بالرد على طريقته وفي الوقت المناسب له؛ حيث بدأ بالمُسيَّرات ثم أتبعها بالصواريخ البالستية، ثم ألحق بها الصواريخ الفرط صوتية "صواريخ خيبر"، والخبراء العسكريون يعلمون أنَّ هذا التكتيك والتدرُّج العبقري يعني إلهاء منظومات التضليل والصد والتشويش للعدو، وأن الهدف هو تمكين الصواريخ من نوع "خيبر" من ضرب الأهداف المرصودة، وهو ما تحقق للإيرانيين وفاجأ الصهاينة والأمريكان والمتطوعين معهم لحماية الكيان.

ما يُمكن قوله هنا، إن إيران تقول ما تفعل، وتفعل ما تقول أولًا، وإن إيران وطيلة 40 عامًا تتواجد في قلب المعركة بسلاحها ومالها؛ لهذا فهي أخذت بثأراتها مُسبقًا في الأصل، لكنها في هذه الضربة أرادت توصيل عدد من الرسائل إلى من يهمهم الأمر؛ مفادها أنها لن تُفرِّط في كرامتها أو مصالحها أو رموزها أو مكانتها الإقليمية، وأنها قادرة على الرد في أي مكان وأي زمان مباشرة وعبر حلفائها كذلك، كما إن قدراتها العسكرية المحلية الصُنع تتفوق على الكثير من مثيلاتها لدى الآخر، وأن الضربة برهنت للعدو بصورة مصغرة من "وحدة الساحات" و"وحدة المعركة" وكارثيتها عليه فيما لو قامر بعربدة جديدة. لكن الأمر الأهم بحسب علمي أن إيران استخدمت المعلوم من أسلحتها وليس السري منه؛ فالحرب خدعة، وإيران أكبر من الاستعراض وردة الفعل والاستدراج وكشف جميع الأوراق.

قبل اللقاء.. وما أستعصى على قوم منال // إذا الإقدام كان لهم ركابا (أحمد شوقي).

وبالشكر تدوم النعم.