صندوق عُمان للموارد البشرية (1)

 

د. ماهر بن أحمد البحراني

مع بداية نهضة عُمان الحديثة في 23 يوليو 1970 كرست الدولة جهودها في جميع مجالات الحياة الحديثة ومن ضمنها التعليم والتدريب، وقامت بنشر التعليم في جميع أرجاء عُمان من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، وتوسع التعليم من المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية ثم المرحلة الجامعية بإنشاء جامعة السلطان قابوس والكثير من الكليات الجامعية الحكومية والخاصة في مختلف صنوف المعرفة، وضخت الدولة المليارات من الريالات العُمانية في المنظومة التعليمية من خلال الأجهزة الحكومية المختلفة المعنية بالتعليم والتدريب، وذلك من أجل سد احتياجات الدولة من الكوادر البشرية العُمانية المتسلحة بسلاح العلم والمعرفة.

ومن أجل سد النقص في الكفاءات البشرية، قامت الحكومة بإرسال العديد من الكوادر البشرية في بعثات خارجية لإكمال الدراسات العليا للماجستير والدكتوراه، وصرفت المبالغ الطائلة في تأهيل وتدريب الكادر البشري العُماني، خلال العقود الخمسة من النهضة العُمانية. وفي عام 2020 قامت الحكومة ببعض الإجراءات التي أدت إلى إحالة الكثير من الكوادر البشرية العُمانية إلى التقاعد المبكر ممن أكملوا 25 سنة لوظائف المستشارين والخبراء والمديرين المختصين، والذين أكملوا 30 سنة من بقية الوظائف الحكومية. وشمل هذا الإجراء الأجهزة المدنية والأمنية والعسكرية، وكاد أن يشمل قطاع الشركات الحكومية التي تطبق قانون التأمينات الاجتماعية الذي يحرمهم من بعض المميزات في حالة عدم إكمالهم عمر 60 سنة؛ وهو سن التقاعد الطبيعي المطبق بالقطاع الخاص. كل هذه الإجراءات أدت إلى تقاعد من 20 ألف إلى 25 ألف موظف بمختلف الوظائف والمستويات التعليمية والمهارية والمهنية، وخسرت بذلك الدولة الكثير من الكفاءات المدربة والمؤهلة علميًا وعمليًا، والقيادات التي من الصعب تعويض فقدانها.

وبلغ عدد الذين تم إحالتهم للتقاعد المبكر أكثر 9700 موظف في قطاع الخدمة المدنية في عام 2020؛ حيث ذكرت إحصائية لصندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية (سابقًا) أن عدد متقاعدي الخدمة ارتفع أكثر من 17% من 58702 عام 2019 إلى 68413 متقاعدًا، كما بلغ عدد المتقاعدين المسجلين في صناديق التقاعد موظفي القطاع الحكومي في بند التقاعد المبكر أكثر من 22 ألف متقاعد حسب إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لعام 2021 الصادرة في الكتاب الإحصائي في أغسطس  2022. ولا توجد إحصائية مؤكدة لعدد الذين تم إحالتهم إلى التقاعد المبكر من الجهات المدنية والأمنية والعسكرية. وبالرجوع إلى الحساب الختامي لعامي 2020 و2021 نجد أن بند الرواتب بلغ (الرواتب الأساسية 1,804,318,161 + البدلات 1,352,432,255 = 3,156,750,416) لعام 2020، كما بلغت (الرواتب الأساسية 1,601,155,851 + البدلات 1,171,623,634 =  2,772,779,485 ) لعام 2021؛ حيث انخفض بمبلغ 383,970,931 ريالًا عُمانيًا؛ أي 31,997,577 ريالًا عُمانيًا شهريًا، كما زادت حصة الحكومة في نظام معاشات موظفي الحكومة من 82 مليون إلى 279 مليون ريال عُماني. وبلغ اجمالي المصروفات الخدمية والسلعية لعام 2020 نحو 3.488 مليار ريال عُماني، وفي عام 2021 بلغت 3.282 مليار ريال عُماني بانخفاض بلغ تقريبًا 206 ملايين ريال عُماني بمعدل 17.1 مليون ريال شهريًا.

وفي ظل هذه الإجراءات لم يتم التصريح  بمقدار الوفر الذي وفرته الحكومة من خلال إحالة الموظفين إلى التقاعد المبكر في عام 2020، وفي المقابل خسرت الحكومة مئات الملايين من خلال إحالة الخبرات المتراكمة للموظفين ولم تستطيع الحكومة تعويض القيادات الإدارية خلال السنوات الماضية؛ نظرًا لان إحالة الموظفين تم بصورة غير مدروسة وعدم التدرج فيها مما أدى إلى وجود شواغر في الوظائف الإشرافية والقيادية والوظائف الفنية والطبية في كثير من الجهات الحكومية.

وفي ظل هذا الوضع يُمكن للحكومة الاستفادة من المتقاعدين ذوي المؤهلات العلمية والقدرات الإدارية العالية من خلال بعض الإجراءات من قبل الحكومة والاستفادة القصوى من طاقات حملة الدكتوراة والماجستير، وتستند فكرة استغلال الحكومة لكفاءات حملة الدكتوراه على الاعتراف بالدور الحيوي الذي يلعبه حملة الدكتوراه في تقديم إسهامات فعّالة ومتقدمة في مختلف الميادين الحيوية للتنمية، كما يمكن للحكومة أن تقوم بإنشاء بنك للمواهب والخبرات الوطنية العُمانية.

وسوف نستعرض بعض السياقات والسبل التي يمكن أن تساهم في استغلال كفاءات حملة الشهادات العليا من قبل الحكومة:

  1. البحث والتطوير والابتكار:

إنشاء منصة للبحث والابتكار. يعمل عليها مشاريع بحثية مستقلة تسهم في تطوير المعرفة العلمية وتحل مشكلات محددة، والقدرة على إجراء بحث عالي الجودة وتطوير فهم عميق يُعزز من فرص التأثير في مجتمع البحث العلمي والصناعي، دون وضع شروط على المتقدم للمنصة؛ حيث إنَّ حاليًا يجب أن يكون الشخص منتميًا لمؤسسة تعليمية أو بحثية، وهذا يتنافى مع حرية البحث العلمي والابتكار والحصول على تمويل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.

كما يمكن الاستفادة من حملة الدكتوراه في المؤسسات البحثية الحكومية لتعزيز البحث العلمي وتطوير التقنيات والابتكار.

وتشجيع حملة الدكتوراه والماجستير في مجالات محددة تحظى بأهمية استراتيجية لتحقيق أهداف التنمية الوطنية.

وتخصيص المزيد من الموارد لتطوير البنية التحتية للبحث العلمي والتكنولوجي، بما في ذلك المختبرات والمعدات الحديثة.

ودعم الأبحاث العلمية التي تقوم بها حملة الدكتوراه في تحكيم القرارات الحكومية، سواء في مجالات الصحة، التعليم، البيئة، أو أي قطاع آخر.

وتوجيه الاهتمام والتمويل نحو تحويل نتائج أبحاث حملة الدكتوراه إلى مشاريع وطنية تسهم في التنمية وتعزز التقدم الاقتصادي.

وإنشاء مراكز للابتكار والتكنولوجيا يشارك فيها حملة الدكتوراه في تطوير حلول فنية للتحديات الصناعية والاقتصادية.

وتوجيه البحوث نحو حل المشكلات والتحديات الوطنية مثل تغير المناخ، الطاقة، والأمن الغذائي.

وتطوير إطار أخلاقيات البحث وضمان أن تساهم أبحاث حملة الدكتوراه في تحسين الحياة الاجتماعية بطريقة إيجابية.

وللحديث بقية..

** دكتوراه في الإدارة والتنمية

تعليق عبر الفيس بوك