الإبادة.. ودروس من حرب غزة

 

محمد بن سالم التوبي

 

الإبادة المتواصلة من قبل أدعياء الديموقراطية متواصلة وتعمل ليلاً نهارًا على تصفية الأبرياء في قطاع غزة، ولا يزال إلى اليوم يقف العالم مشدوها لما يحصل من قتل مروّع وإبادة شاملة لكل ما يدب على الأرض في غزة الجريحة المكلومة في نسائها وأطفالها الذين قتلوا بدمٍ باردٍ من قبل أعداء الإنسانية وأعداء الحرية وبسلاح أمريكي وصمت عربي لا يمكن وصفه إلّا بالصّمت البشع الذي تتسع فيه الشقّة بين الشعوب وحكّامها.

الإبادة التي يصرُّ عليها حكّام الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الأخرى دليل على تغلغل الصهيونية حتى في اختيار الحُكّام ببعض الدول أو تأثيرهم بطريقة أو بأخرى في اختيار حكّام يؤمنون بالصهيونية أو أختها الماسونية، حتى يستطيعوا خدمة أهدافهم وتوسّعهم في الكثير من البلدان، وبالتالي يتحكّمون في قراراتها والسيطرة على إمكانياتها بما يحقق مصالحهم ومصالح بعض الدول التي تقف معهم وبعض الحكام الذين يخدمون سياساتهم وتوجهاتهم.

في غزّة يقوم الصهانية بقتل الجميع لأنهم يعلمون علم اليقين أن هؤلاء الذين شدّوا وثاقهم مع الله لن تهزمهم الدبابات ولا تكسر شوكتهم الصواريخ، باعوا أرواحهم لله فقويت بالله شوكتهم وسدّد الله رميهم، وهكذا ديدن من يمد حبله مع الله جلّت قدرته فإن الله ناصره ومؤيده، وما الأرواح التي لاقت ربّها إلّا أنها أرواح أراد الله لها أن تكون في الجنة فمنزلة الشهيد عند الله عظيمة.

هذه الإبادة أحد الدروس العظيمة التي كشفت مدى إزدواجية المعايير التي تقوم عليها الديمقراطية الغربية التي تشدّقت بها في المحافل الدولية ووضعت من أجلها القوانين وعقدت لها القمم الدولية والاجتماعات الأممية فبان عوارها وظهر زيفها واتضح للناس كذبها.

لقد اهتزّت صورة العالم الغربي الذي ظهر عبر نصف قرن من الزمن وكأنه حامي حمى الديمقراطية وبطل الحُرّيّة، وقد اكتنزت دفاتر الأمم المتحدة بالقوانين التي تسعى لحماية الناس الأبرياء والنساء والأطفال في السلم قبل الحرب، وتسمّنت أروقة المنظمة في نيويورك ولاهاي وجنيف وحتى بروكسل (مقر الاتحاد الأوربي) من المذكرات القانونية على مدى عقود طويلة وهي تناقش أفضل السبل لحماية الحقوق الإنسانية.. لكن بالحرب على غزة احترقت مذكّرات الحقوق الإنسانية في السّلم والحرب بدبّابات واشنطن وصواريخ باريس وجواسيس لندن.

أعطت حرب غزّة أكبر دروسها في الصبر الذي وهبه الله تعالى لأهلها من مقاتلين ونساء ورجال وأطفال؛ فالطفل منهم عن عشرة من الرجال، والنساء نماذج مشرفة لنساء الأبطال الذين ذكرهن التاريخ في حروبه، وكيف وقفت المرأة عبر الزمن موقف الحرية والكرامة، وسجل لها التاريخ بطولات ومواقف تشهد لها، وفي غزة وفي عصرنا هذا مواقف النساء عظيمة وصبرها على كل ما تلاقيه يجب أن يسجل بماء الذهب، فترى الواحدة منهن وكأنها ترى أبناءها يتخيّرون الجنة التي يريد من حديثها وصبرها ودعواتها وسعادتها باستشهاد فلذة كبدها.

وهكذا ينصر الله عباده المُتَّقين فيجعل من أطفالهم أبطالًا يعدّهم ليوم النصر الكبير، وهكذا هُن نساء المجاهدين الذين أراد الله لهم النصر المبين لا يمكن إلّا أن يكُنّ نساء عظيمات يقِفْنَ وراء هؤلاء الفتية الذين تمكن القرآن من قلوبهم، فشدّوا على أنفسهم من أجل حرّيتهم المنشودة ومن أجل دينهم العظيم ومن أجل قرآنهم المبين ومن أجل شرف هذه الأمة التي وعدها الله بالنصر والتمكين- إن هي أخلصت إلى ربها، وإن هي حققت ما أراده الله منها- وأول ما أراده الله هو العمل على طاعته والابتعاد عن ما لا يرتضيه جلّت قدرته.

دروس غزة كثيرة جدًا- ولقد ذكرت الكثير منها في سياق مقالات سابقة- لكن ونحن في أول أيام شهر رمضان المبارك نستذكرُ معارك الإسلام العظيمة وصبر رسول الله عليه الصلاة وأزكى التسليم وصحابته الكرام في معارك الحق التي واجهها رسول الإنسانية من أجل نُصرة هذا الدين، ولتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

لقد تعلمنا في هذا الدين العظيم أخلاق الحرب التي كانت- وما زالت- نبراسًا للمسلمين ومنهجًا عظيمًا يجب أن تتعلم منه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والكيان الغاصب الذي تديره الصهيونية المتخلية من كل صور الأخلاق والقيم البشرية.

تعليق عبر الفيس بوك