المبدأ الأخلاقي

 

 

لماذا يتماهى مَنْ جاءوا من خلفيات عانت حقبًا طويلة من الظلم والعنصرية والاضطهاد مع نظام عنصري ووحشي كدولة الاحتلال؟!

 

عوض المغني

تُقاتل دولة جنوب إفريقيا لاستصدار أحكام قضائية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتقاضيها في جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والعجيب أن تكون دولة إفريقية في أقصى القارة السمراء جغرافيًّا هي من تقف هذا الموقف الأخلاقي والإنساني مع القضية الفلسطينية، وتحديدا ضد الحرب على غزة، فيما تقف الجغرافيا والدين والعرق موقف المتفرج على الإبادة منذ خمسة أشهر!!!

تنطلق جنوب إفريقيا في مقاضاتها لدولة الاحتلال من منطلق أخلاقي ومبدأ إنساني؛ فموطن الزولو على لسان مسؤوليه وقادته أنه لا فرق في نظام الفصل العنصري الذي عانوا منه وآبائهم وأجدادهم وبين كيان الاحتلال الصهيوني، هذا التضامن الإنساني قمة ما يمكن تقدمه للمظلوميات العالمية، وما أكثرها، سوى أنَّ غزة تعتبر أقساها، وتخطته وحشيةً وهمجيةً، وتجلَّى ذلك في احتفال قادة الاحتلال بالتوقيع على الصواريخ والقذائف المعدَّة لنسف ما تبقى من حياة في غزة المحاصرة منذ 17 عاما!

والغريب أنَّ دولا بعيدة جدا أخذت على عاتقها الشجب الصريح والتحرك الدبلوماسي الواضح ضد دولة الاحتلال، سواء من خلال سحب السفراء أو مساندة جنوب إفريقيا في دعواها بمحكمة العدل الدولية؛ مثل: فنزويلا وكولومبيا وأخيرا البرازيل الداخلة في أزمة دبلوماسية مع الكيان الصهيوني بعد تصريحات الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا، وتشبيهه ما يقوم به جيش الاحتلال بمحارق هتلر لليهود.

وتتوالى المواقف الإنسانية المشرفة من البعيد؛ فالرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا عبَّر عن سعادته في يوم المرافعة ضد دولة الاحتلال، أما وزيرة خارجيته ناليدي باندور فقد أَسِفَت لقرار المحكمة عدم إصدار قرار بوقف فوري للإبادة في قطاع غزة. كما أن موقف الفريق القانوني الجنوب إفريقي واضح وصادق ومنطلق من ملامسته لمعاناة نظرائهم في فلسطين المحتلة، وهي ذاتها الآلام والمعاناة التي ذاقوا ويلاتها في نظام الفصل العنصري المنتهي عام 1990، بإعلان آخر رئيس من الأقلية البيضاء فردريك دي كراك انتهاء ذلك النظام، وخروج المناضل نيلسون مانديلا من السجن.

بينما على الجانب الآخر، نرى التشكيل الامريكي -أكثر تشكيل حكومي من الملوَّنِين- بدءًا من كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي، ووزير دفاعه لويد هوستن، وصولا لممثلي الولايات المتحدة في منظمات الأمم المتحدة لينا جرينفيلد وروبرت وود (مجلس الامن)، لم يترك هذا التشكيل من شاردة وواردة ليصب على الفلسطينيين المغلوبين على أمرهم دبلوماسية العقاب الجماعي، ووهم الدولتين، في الوقت الذي يتم فيه استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لثلاث مرات منعا لوقف فوري لإطلاق النار في غزة !!

فالأيدي الأمريكية السمراء المرتفعة مرارا منذ خمسة أشهر رفضا لمنع الإبادة الجماعية في غزة، تخلى أصحابها عن إنسانيتهم ومبادئ قاتل من أجلها آباؤهم وأجدادهم أيام حركة التحرر المدنية، وقبلها ظلم العبودية، وتنصلوا من تاريخ نضال آبائهم مارتن لوثر كينج ومالكوم إكس وروزا باركس ومحمد علي كلاي الرافض لحرب فيتنام.

لماذا يتماهى هؤلاء الذين جاءوا من خلفيات عانت حقبًا طويلة من الظلم والعنصرية والاضطهاد مع نظام عنصري ووحشي كدولة الاحتلال؟! ولم يقف الأمر عند هؤلاء، فرد عمدة نيويورك (أسمر البشرة) إريك آدمز على المتظاهرين الداعمين لغزة قائلا: "ليعد المحتجزين أولا"!!! وكأنه إعلان صريح للعقاب الجماعي الذي يطال المدنيين، بينما تناسَى ما الذي جاء بالأمريكان (مزدوجي الجنسية) إلى غلاف غزة والمتعارف عليها دوليا منطقة محتلة منذ 1967؟!

لا ننسى أنَّه قد سبق هذا التشكيل الملوَّن كولن باول وزير الخارجية أثناء ولاية بوش الابن، وسوَّق بلا خجل لاحتلال العراق 2003 بذريعة أسلحة الدمار الشامل، وبعد أعوام من اعتزاله السياسة اعترف بخطئه وأبدى ندمه، لكننا نقول اليوم للتشكيل الأمريكي لن نقبل أعذارا ولن تجدوا صكوكَ غفران. وكما قال سلمون نورثورب (صاحب مذكرات "12 سنة عبودية") خلال فترة عبوديته: "لابد من حساب، لا يمكن لكل هذا العذاب أن يمر بلا عقاب". وقال تعالى: "إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا" صدق الله العظيم.

تعليق عبر الفيس بوك