علي بن مسعود المعشني
الحديث عن مجلس التعاون الخليجي، حديث ذو شجون، فهو حديث عن منظومة تعاون شاخت قبل أن تُولَد، وبحثت عن كل ثمرة تعاون بين أقطار المجلس قبل قيام المجلس في مايو 1981، من أجل وأدِها تحت مُسمّيات التقنين والتطوير والتأطير.
كل مواطن خليجي يعلم أنَّ المواطن الخليجي كان يتنقل ويعمل ويتعالج ويتعلم؛ بل ويتملك مسكنه ويمارس تجارته كمواطن في أي قُطر خليجي قبل قيام منظومة مجلس التعاون. وكل مواطن خليجي يعلم أن جهود الآباء المؤسسين وجهود النُخب الخيِّرة في الخليج، عملت بوعيها وإخلاصها على إنشاء عدد من المؤسسات والمنظمات وأُطر التعاون بين أبناء الخليج بما يخدم الشعوب ويقرِّب مشاعرها ويوحِّد قلوبها، ويترجم ثوابتها وتاريخها وجغرافيتها ومصيرها المُشترك.
لهذا شهد أبناء الخليج قيام شركة طيران الخليج لتكون ناقلًا جويًا واحدًا لكل من سلطنة عُمان ودولة البحرين ودولة قطر وإمارة أبوظبي، وشهدوا كذلك قيام جامعة الخليج ومقرها دولة البحرين، ومنظمة الخليج للاستشارات الصناعية ومقرها دولة قطر، واتحاد تلفزيونات الخليج بعضوية العراق، ومركز الخليج للتراث بعضوية العراق، ودورة كأس الخليج لكرة القدم والتي ضمَّت أقطار الخليج الستة ثم التحق بهم العراق ثم اليمن.
ظنَّ المواطن الخليجي أن قيام مجلس التعاون سيرتقي بتلك الجهود ويسعى لتوسيعها وتعددها؛ بما يحقق الرخاء ويعزز التعاون بين أقطار الخليج، لتعانق الاتحاد فيما بينها كثمرة طبيعية لتلك الثمار اليانعة، لكنه خاب أمله حين وجد أنَّ منظومة مجلس التعاون وُجِدَت لتكريس الواقع الخليجي قبل قيام المجلس، بحيث يبقى الكبير كبيرا والصغير صغيرا والغني غنيا والفقير فقيرا. وكانت هذه الصدمة الأولى للمواطن الخليجي بمنظومته الواعدة، والتي خالفت جميع أُسس وقواعد منظومات التعاون والتكتلات السياسية في العالم، والتي قامت على أُسس تقريب الفجوات بين أعضائها أولًا؛ بدءًا من تحقيق التوافق الاقتصادي، كسبيل صلب لبناء منظومات أخرى لاحقًا، سياسية وأمنية واجتماعية.
وبمجرد أن خالف مجلس التعاون قواعد وأُسس التعاون المُتعارف عليها والمأمولة منه، فَقَدَ المجلسُ مشاعرَ المواطنين ودعمهم العاطفي له، وتهاوت آمال وطموحات أعضائه وتآكلت الثقة بينهم عامًا بعد عام.
لا أحتاج أنا اليوم كمواطن خليجي أن أكون حاضرًا وشاهدًا على جميع اجتماعات ومؤتمرات لجان المجلس العادية والطارئة حتى أتيقَّن حقيقة كلام معالي الدكتور عبدالله القويز الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية بمجلس التعاون سابقًا، ولا أبحث عن تفسير لمواقف معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بسلطنة عُمان سابقًا؛ حيث يكفيني ويغنيني البحث عن نتائج مُثمرة للتعاون على الأرض لمجلس التعاون حتى أُرجِّح كفة حديث القويز وأُعليها على مواقف بن علوي.
لم أجد أنا كمواطن خليجي ثمرة تعاون واحدة تجعلني أتمسك بهذه التجربة وأعض عليها بالنواجذ؛ حيث لا توظيف مُوَحَّدًا لأبناء مجلس التعاون، ولا استثمارات مُوَحَّدة بين أقطار المجلس، ولا قوانين محورية مُوَحَّدة بينها، ولا صندوق سياديًا مُوَحَّدًا، ولا ميثاق شرف إعلاميًا مُوَحَّدًا، ولا ميثاق سياسيًا مُوَحَّدًا، ولا قوة عسكرية مُوَحَّدة، ولا تمثيل دبلوماسيًا مُوَحَّدًا....إلخ.
كُل ما رأيناه كان عبارة عن انتشار فروع مؤسسية بيروقراطية باسم مجلس التعاون بين عواصم دول المجلس تُمارس أعمالًا بروتوكولية شكلية فقط لا غير، وتنافس اقتصادي وسياسي وعسكري محموم بين أقطار المجلس وصل إلى حد المواجهة والتناحر في الظاهر والباطن.
ما تحدَّث به الدكتور عبدالله القويز وتوقيت حديثه يُبرهن على أن القناعات والشواخص لفناء تجربة التعاون بلغت ذروتها في النضج بأن المنظومة فشلت، ولا بُد من البحث عن سببٍ قبل الإعلان الرسمي عن وفاتها؛ حيث لم تعد التورية والتقيَّة أسلوبًا نافعًا ومُقنِعًا لكل من عرف وتابع وتعشَّم خيرًا من منظومة مجلس التعاون بأن تصبح كُتلة سياسية إقليمية واحدة، تخدم أقطار الخليج والأمة العربية، وتُجنِّب المنطقة المحاور والتكتلات والأحلاف المُكلفة، خاصةً وأنها منظومة متناغمة جدًا وتمتلك كل أسباب التعاون وصولًا إلى التكامل، لو صَفَتْ النوايا وارتقت العقول.
قبل اللقاء.. لا يوجد إنسان فاشل في الحياة؛ بل يوجد إنسان لا يعلم بواطن قوته.
وبالشكر تدوم النعم.