تقويض المنظومة الدولية المعنية بفلسطين

 

عبد النبي العكري

في العام 1916 جرى توقيع اتفاق سايكس بيكو المشؤوم مابين الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا باقتسام تركه الدولة العثمانية في المنطقة العربية والتي هُزِمَت في الحرب العالمية الأولى، وكانت بلاد الشام من نصيب فرنسا والعراق من نصيب بريطانيا، إلّا أنه جرى استثناء فلسطين لتكون من نصيب بريطانيا ضمن خطة بريطانية صهيونية لإقامة دولة يهودية على أنقاض فلسطين، حيث قامت قوات "المارشال اللنبي" باحتلالها وعاصمتها القدس في 30-12-1917 بعد أربعة قرون من سيطرة العثمانيين عليها وقال قولته المشهورة "ها نحن عدنا يا صلاح الدين" في إشارة إلى الحروب الصليبية واحتلال الصليبيين لفلسطين ضمن الشام ومصر. كما نذكر هنا بوعد وزير الخارجية البريطاني بلفور المشؤوم في رسالته لروتشلد في 22-11 1917" بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين"، على حساب شعبها .

من هنا فإنه بعد إقامة عصبة الأمم التي سبقت الأمم المتحدة كمنظمة دولية في 1920، فقد كان أحد مهامها وضع البلدان الخاضعة للدول المهزومة في الحرب العالمية الأولى ومنهم الدولة العثمانية تحت وصاية الدول المنتصرة. وكأمر واقع فقد وضعت فلسطين تحت وصاية بريطانيا والتي كان من المفترض أن تهيئها للاستقلال، إلا أنها على العكس من ذلك ساهمت في اغتصابها من قبل الحركة الصهيونية، وكان ذلك بداية تعاطي المنظمات الدولية مع فلسطين وقضيتها.

الأمم المتحدة وشرعية الكيان الصهيوني

ظلت بريطانيا تحكم فلسطين بتفويض من عصبة الأمم حتى قيام الأمم المتحدة في 1945 والتي وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني؛ حيث استمرت بريطانيا بتكريس سيطرتها على فلسطين لتحقيق المخطط الصهيوني لاقامه دولة "إسرائيل" على انقاض فلسطين وحقوق شعبها.

لعبت الأمم المتحدة دورا نشطا في التعاطي مع القضية الفلسطينية لإيجاد حل للصراع القائم بين الشعب الفلسطيني وبعض الدول العربية المؤيدة له من ناحية وتحالف الحركة الصهيونية مع بريطانيا الاستعمارية، وقد شكلت الأمم المتحدة عدة بعثات لتقصي الحقائق لحل الصراع ونذكر منها بعثة الكونت براندوت الذي اغتالته عصابة الأورغون؛ لأنه كان منصفا مع الفلسطينيين .

تقسيم فلسطين

تسارع المخطط الصهيوني الاستعماري البريطاني لاغتصاب فلسطين وإقامة دوله يهودية على أنقاضها وإضفاء الشرعية عليها من قبل الأمم المتحدة. يجب ان نذكر هنا ان أعضاء الأمم المتحدة حينها بحدود 57 دولة وتسيطر عليها الدول الغربية بقيادة أمريكا المنتصرة في الحرب العالمية الثانية والى حد ما الاتحاد السوفياتي وحلفائه، أما الدول العربية فغالبيتها مستعمرة.

في ظل اختلال ميزان القوى العسكري على الأرض الفلسطينية لصالح التحالف الصهيوني البريطاني، جرى التصويت على قرار تقسيم فلسطين رقم 181 في 29 نوفمبر 1947. وقد عمدت أمريكا والدول الغربية للضغط على الدول الأخرى للتصويت على القرار الذي حاز على 33 صوتا ومعارضه 13 وامتناع 10عن التصويت، حيث خصص لليهود أراض متواصلة وتطل على البحر الأبيض المتوسط بمساحة 53% في حين خصص للعرب الفلسطينيين 46% من الأراضي المتقطعة وخصص 1% للقدس وجوارها لتدار من قبل إدارة دولية . وبناء عليه فقد أعلنت الحركة الصهيونية قيام دوله "إسرائيل" واعترفت بها القوى الكبرى حينها وفي مقدمتها امريكا.

هكذا تصرفت الأمم المتحدة وخلافا لميثاقها ومقاصدها بتاكيد حق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال وحق مقاومه الاستعمار ومنها الشعب الفلسطيني، بل العكس فقد اسهمت في قيام كيان استيطاني لايملك أي حق في فلسطين واسباغ الشرعية الدولية عليه على حساب حق الشعب الفلسطيني في وطنه والاستقلال بدولته . لكن الكيان المحتل وبدعم من الغرب استمر في حرب الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني والقوات العربية الضعيفه المسانده، للاستلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية؛ حيث سيطر على 88% من أراضي فلسطين بما فيها معظم القدس وبقي للفلسطينين 22% تغطي الضفه الغربية وقطاع غزه المنفصلين جغرافيا واللذان أُلحقا بالأردن ومصر. ورفضت "إسرائيل" قرار الأمم المتحدة الملازم لقرار التقسيم عوده اللاجئين الفلسطينين لوطنهم وكانوا حينها يمثلون نصف سكان فلسطين. وبهذا لم تؤمِّن الأمم المتحدة قيام دوله فلسطينيه رغم الاجحاف في ذلك.

وتبع ذلك إنشاء الأمم المتحدة لوكاله الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في 3-12- 1949 ولا تزال قائمة مما يعني خطة مُبيّتة "إسرائيلية" وغربية لإبقائهم في المنافي العربية وغيرها. لكن الكيان الصهيوني والذي يتبنى مخططًا توسعيًا لاحتلال كامل فلسطين ولإقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل والهيمنة على كامل المنطقه العربية والإقليمية واصل حروبه بدعم ومشاركة من الغرب.

وقد كان للأمم المتحدة دور في مسار القضية الفلسطينية، نوضحه كما يلي:

الأمم المتحدة والقضية الفلسطينة

في مؤتمر القمة العربية المنعقد في القاهره عام  1964 وبتأثير مصر في عهد جمال عبد الناصر، اتفقت الدول العربية على تشكيل الفلسطينيين لمنظمه التحرير الفلسطينية. وبالفعل انعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني التأسيسي في القدس في 23 مايو 1964 وشكل منظمة التحرير الفلسطينية وانتخب لجنتها التنفيذية، وأقر ميثاقها الذي ينص على تحرير كامل التراب الفلسطيني بحدود فلسطين في عهد الانتداب البريطاني عبر الكفاح المسلح وعوده اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

أما التطور المهم الثاني فهو انطلاق الثوره الفلسطينية في 1 يناير 1965 من قبل حركة "فتح" كبدايةٍ لتشكل الثوره الفلسطينية لتجسيد ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية والتعبير عن أراده وخيار الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. وفي تطور مهم فقد جرت تحولات في المنظمة ترتب عليها ان يكون المؤتمر الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية المنتخبة بأغلبية تمثيل لفصائل الثورة الفلسطينية.

وهكذا.. وبالرغم من هزيمة 1967 وتراجع المشروع القومي وفي قلبه تحرير فلسطين وصدامات الثوره الفلسطينية مع الأنظمة العربية، فقد اضحى للشعب الفلسطيني حركة تحرير لاستعاده وطنه وقيادة مرجعية هي منظمة التحرير الفلسطينية التي جرى الاعتراف بها من كثير من دول العالم. وانعكس ذلك على عوده القضية الفلسطينية بقوه للأمم المتحدة التي أعطت الشرعية لاغتصاب فلسطين. وتبعها تحولا مهما في مسار القضية الفلسطينية وأعاد الاعتبار للقضيه الفلسطينية.

وبالمقابل فقد اعتبرت "إسرائيل" وأمريكا وبعض حلفائهما أن المنظمة وفصائلها إرهابيه والكفاح المسلح اعمال ارهابيه وشنت "إسرائيل" بدعم من امريكا وحلفائها حربالاهواده فيها ضد الشعب الفلسطيني وثورته وغزت واحتلت لبنان لاحتضانه المقاومه الفلسطينة.

ومن اخطر ما ترتب على هزيمة يونيو 1967، احتلال ما تبقى من فلسطين (الضفه والقطاع) إضافة للجولان. كما تبعه ضم القدس الشرقية للقدس الغربية واعتبار القدس الموحدة عاصمة ابدية لإسرائيل، وتهويد الضفه الغربية والقدس بسلب الفلسطييين اراضيهم وبيوتهم واقامه المستعمرات الاستيطانيه الاسرائيليه على انقاضها وحصار غزة، بحيث اضحى تنفيذ قرار التقسيم للأمم المتحدة رقم 181 في 1948 مستحيلا. اضافه إلى ذلك، فقد شملت "إسرائيل" الجولان المحتل بقوانينها واستمرت في احتلال سيناء ومناطق لبنانية.

لاحقًا ترتب على حرب أكتوبر 1973 المجيدة نتائج مهمه للقضيه الفلسطينية ومكانتها في المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتحديد. عمليًا أدت حرب أكتوبر 1973 إلى اتفاقيه كامب ديفيد 1978 وبموجبها استعادت مصر سيناء واقامة علاقات مع إسرائيل. وهذا ما هيأ الأوضاع لانفراد "إسرائيل" بالثورة الفلسطينية وحلفائها. وتجسد ذلك بغزو لبنان واحتلاله جنوبه في 1978 ثم غزوه الكامل في 1982 وإخراج الثورة الفلسطينية والمنظمة إلى المنافي ووصول اليمين اللبناني المرتبط "بإسرائيل " إلى الحكم وتوقيع اتفاق الصلح معها في اذار 1983 والذي ألغي لاحقا بنهاية رئاسه أمين الجميل وانتخاب الرئيس الياس الهراوي مع تغيير في ميزان القوى السياسية لغير صالح "إسرائيل".

رغم كل هذه التطورات السلبيه ظلت القضية الفلسطينية تفرض نفسها على المجتمع الدولي والنظام الدولي وفي قلبه الأمم المتحدة في ظل استمرار مقاومه الشعب الفلسطيني "لإسرائيل " وخصوصا الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بانتفاضاته المتلاحقة. وبروز قيادات وطنيه في الداخل حملت قضيته إلى العالم بما فيها الأمم المتحدة.

مرت القضية الفلسطينية منذ احتلال الكيان الصهيوني لكامل فلسطين اثر هزيمه 1967 بعدة مراحل في ضؤ مراحل الصراع بين العدو الصهيوني وحلفاءه من ناحيه والشعب الفلسطيني وقوى المقاومه وحلفائه عربيا ودوليا من ناحية أخرى. ويهمنا هنا تبيان أنه رغم قرار الأمم المتحدة بحق تقرير للشعب الفلسطيني على جزء صغير من أرضه (22 %) ومطالبة "إسرائيل" من الانسحاب منها لخطوط 4 يونيو 1967. إلّا أن مجلس الأمن لم يجبر "إسرائيل" بالامتثال لهذا القرار؛ بل إن إسرائيل مضت قدمًا في الاحتلال وتهويد الضفة الغربية وضم القدس الشرقيه وحصارقطاع غزه أضافه لفرض القانون الإسرائيلي على الجولان المحتل واستمرار احتلال أراض لبنانيه.

جاءت التطورات المترتبة على استثمار الرئيس المصري أنور السادات لحرب أكتوبر 1973، لابرام اتفاقية سلام مع "إسرائيل"، والخروج من الصراع العربي الإسرائيلي، ما أضعف الموقف الفلسطيني ودفع بقياده المنظمة والثوره الفلسطينية إلى احدات تغيير جذري في استراتيجيه المنظمة من تحرير كامل فلسطين إلى إقامه دولة على الأراضي المحتلة في 1967 والاعتراف عمليا بإسرائيل في المؤتمر الوطني الفلسطيني في الجزائر في 1974 بتعديل ميثاق المنظمة وتبني البرنامج المرحلي وإعلان الدولة الفلسطينية الافتراضية بقيادة ياسر عرفات.

وانطلاقًا من ذلك، ألقى ياسر عرفات أمام الأمم المتحدة كلمته المشهورة في 13 نوفمبر 1974، وقال: "لا تدعوني أُسقِط غصن الزيتون من يدي" وقُبلت فلسطين عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 2012 ومنظماتها وعددا من المنظمات الدولية. ومره أخرى لم تتمكن الأمم المتحدة تحويل هذا الاعتراف إلى واقع قيام دوله فلسطينيه على الأرض.

وجاء اتفاق أوسلو بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية الموقع في واشنطن في 13 سبتمبر 1993؛ ليحجم حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة إلى اداره محدوده الصلاحيات للحكم الذاتي، مع سيطره اسرائيليه كامله على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

من هنا اضحى دور الأمم المتحدة هو تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير واقامه دولته على الأراضي المحتله الفلسطينية المحتله في 1967 دون اجبار "إسرائيل" على ذلك، ومنه الاجتماع السنوي للجمعيه العامة للأمم المتحدة حول فلسطين لتاكيد ذلك. واستمر دور الأمم المتحدة في العمل لتخفيف معاناه الشعب لفلسطيني خصوصا اللاجئين الفلسطينين في فلسطين والمنافي في البلدان الغربية المجاوره من خلال وكالة الأونروا ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.

مجلس حقوق الانسان

أما المهمة الأخرى؛ فهي تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والمنافي من خلال مجلس حقوق الانسان وآليات حقوق الانسان كمقرر حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتله والمقررين الخاصين وكذلك المفوض السامي لحقوق الانسان. واضحى بند أوضاع حقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتله بندا دائما على جدول اعمال الدورات السنويه الثلاث لمجلس حقوق الانسان، حيث يقدم تقرير المقرر الخاص لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتله واحيانا تقارير المهمات الخاصه ومن قبل المفوض السامي والذي يلقي عاده كلمه وكذلك كلمات أعضاء المجلس والمراقبين ومنهم مندوب فلسطين . وتنتهي الجلسه بالتوصيات.

وجرت العاده ان يتغيب الوفد الإسرائيلي عن الجلسه وتتجاهل إسرائيل توصياتها . كما ان إسرائيل لم تسمح ابدا بزياره أي من المقررين او البعثات الخاصه للمفوضيه والمجلس للأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبقبول فلسطين عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة، تم قبولها كذلك عضوًا مراقبًا في عدد من المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية واليونسكو والفاو والأونكتاد، ويقتصر دورها في الأراضي الفلسطينية المحتله بما تسمح به إسرائيل.

تقويض دورالمنظمات الدولية

لم تتعرض الأمم المتحدة ووكالاتها وقياداتها ومنها العامله في فلسطين المحتله اوذات العلاقه بالقضية الفلسطينية إلى محنه في تاريخها كما تعرضت لها خلال حرب الاباده الاسرائيلية على الشغب الفلسطيني في غزة وباقي فلسطين المحتله منذ 7 اكتوبر 2023، والى الآن. ولنحاول عرض هذا التقويض للمؤسسات ذاتها ولمهامها في غزه والعاملين فيها والمستفيدن من خدماتها.

عمدت أمريكا الحليف والشريك للكيان الصهيوني وحلفائها إلى تعطيل الشرعية الدولية من مؤسسات وخصوصا موسسات الأمم المتحدة (الجمعية العامة ومجلس الامن ووالأمين العام ومفوضيه حقوق الانسان، والوكالات المختصه وفي مقدمتها الاونروا)، وكذلك القانون الدولي وخصوصا القانون الدولي ضد الاباده البشريه والقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الانسان واتفاقيات جنيف الاربعه وملحقاتها.

الأمين العام للأمم المتحدة هو اول من ينبه المجتمع الدولي والأمم المتحدة وخصوصا مجلس الامن إلى خطوره وضع يهدد السلم العالمي. وقد قام الأمين العام أنطونيو جوتيرش بتنبيه المجتمع الدولي ومجلس الامن بخطوره الحرب "الاسرائيلية" على غزة على السلم الإقليمي والدولي، لكنه ووجه بالصلف "الإسرائيلي" باتهامه بمعاداه "إسرائيل "والسامية وطالبته بالاستقالة، وهو ما لم يتعرض له أي امين عام سابق، كما تكرر الموقف الإسرائيلي الوقح حينما كان الأمين العام يلقي كلمته امام مجلس الامن. كما عمدت لإجراءات عقابية بحقه وبحق الأمم المتحدة، ومنها منع الأمين العام من زياره غزة، والغت جميع تاشيرات كبار موظفي الأمم المتحدة إلى فلسطين المحتلة. وحظي الموقف "الإسرائيلي" بدعم الولايات المتحدة والحلفاء.

واخيرًا لجأ الأمين العام لحقه بموجب الماده 99 من الميثاق الأممي، لتنبيه مجلس الامن لوضع خطير يهدد السلم العالمي، وعلى إثر ذلك انعقد مجلس الامن، لكن بسب التحالف الغربي، لم يتخذ المجلس قرارًا بوقف اطلاق النار؛ بل دعا إلى التوصل إلى هدنة انسانية.

مجلس الأمن

ويعد مجلس الامن الجهه الاساسيه في الأمم المتحدة المسؤؤل عن السلم العالمي وبالتالي يتعاطى مع أي نزاع مسلح اوحرب او وضع يهدد السلم والامن والاستقرار العالمي او أي من، الأعضاء في الأمم المتحدة. ويراس المجلس لشهر عضو من المجلس حسب الابجدية، والدول التي تتالت على رئاسه المجلس خلال حرب غزة حتى الآن هي البرازيل لشهر أكتوبر؛ حيث فشل في عقد أي اجتماع، ثم الصين لشهر نوفمبر والتي نجحت في عقد اجتماع المجلس يوم 14-11-2023، لكن الفيتو الأمريكي- البريطاني احبط مشروعي القرارين البرازيلي ثم الروسي. ثم ترأس المجلس سفير الأكوادور خوسيه لاجسكا لشهر ديسمبر والذي نجح في عقد اجتماع المجلس في 18-12-2023 لكن الفيتو الأمريكي أيضًا احبط مشروع قرار كانت تقدمت به الامارات.

وأخيرا فرنسا رئيسة للمجلس لشهر يناير 2024، وقد دعت لاجتماع المجلس بطلب من الجزائر التي حلت محل الإمارات في عضوية المجلس لمناقشة موضوع حرب غزه في ضوء قرارات محكمه العدل الدولية في 31 يناير 2024. وهو اخر يوم في رئاستها للمجلس وليس ذلك صدفة. تلتها في الرئاسه غانا التي ستواصل رئاسه جلسات المجلس لهذه القضية؛ حيث هناك مشروع قراراعدته الجزائر وجنوب افريقيا يطالب "اسرائيل" بوقف فوري للعمليات العسكريه ورفع الحصار والاغاثه الشاملة. وتكتسب هذه الجلسه اهميه استثنائيه في ضؤء قرارات المحكمه الدولية التي وفرت أساسا قانونيا لذلك.

ومن خلال الاستماع لكلمات الدول المشاركة في الجلسة وهم أعضاء المجلس إضافة إلى الأمم المتحدة والبلدين المعنيين "إسرائيل" وفلسطين، فإن نائب الأمين العام للأمم المتحدة جريفن قدم عرضا مخيفا لأوضاع غزه وتقويض دور الأمم المتحدة في الاغاثه والدعم.

وبالنسبة لمواقف الدول فإن 13 دولة عضوًا بالمجلس بما فيها فرنسا إضافة لفلسطين أيدت ما جاء في قرار المحكمة وما تطلبه الأمم المتحدة للقيام بمهامها، في حين أن أمريكا وبريطانيا أضاف إلى "إسرائيل" يرفضون وقف العمليات العسكريه "الاسرائيليه" ويعرضون تفعيل الإغاثة ومحاسبة حماس، والذى من المتوقع استخدامهما الفيتو ضد مقترح القرار المعروض على المجلس.

إن دول رئاسة المجلس باستثناء فرنسا وغالبية الدول الأعضاء بالمجلس باستثناء أمريكا وبريطانيا، غير متورطة بالتحالف الغربي مع "إسرائيل" في حربها العدوانية ولذى فقد سعى سفراء كل منها لانعقاد مجلس الأمن وإيقاف حرب الإبادة. لكن أمريكا وبريطانيا- وبتطابق كامل مع الموقف "الإسرائيلي"- عمدتا إلى تعطيل انعقاد مجلس الأمن او صدور قرارات عنه ملزمه "لإسرائيل "بوقف حرب الإبادة والحصار والقيام بدوره ومسؤوليته لحمايه الشعب الفلسطيني وخطر تحول حرب غزه إلى حرب اقليميه ذات ابعاد دولية، وذلك خلافا لمسؤلياتهم كدول كبرى ودائمه العضويه في مجلس الامن. كما ان "إسرائيل" وبدعم من أمريكا والغرب أوضحت بجلاء انها لن تنصاع لقرارات مجلس الأمن بدعوى حق الدفاع عن النفس.

وللعلم فإن العرب ممثلين في مجلس الأمن وهي: دولة الإمارات العربية المتحدة والتي بذلت جهودا كبيره بالتنسيق مع سفير فلسطين وسفراء دول عديده لعقد اجتماع لمجلس الامن لايقاف الحرب الصهيونية على غزه وما يترتب عليها. وبدءًا من يناير 2024 حلت الجزائر محل الامارات في عضويه المجلس وبادرت بطلب انعقاد المجلس حول الحرب الصهيونيه ضد الفلسطينيين بالتنسيق مع سفيري فلسطين وجنوب افريقيا.

لكن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يترددوا بإصدار قرار من مجلس الامن تحت الرئاسه الفرتسيه في يناير 2024 بتحميل حكومه صنعاء مغبه تعطيل الملاحه الدولية في البحر الأحمر لمنعها السفن المتوجهه لمرافئ إسرائيل، ومن ثم تسويغ قصفها من قبل الطيران والبحريه الاميركيه والبريطانية.

هذا الموقف في مجلس الامن يعكس دعم حلفاء "إسرائيل" الغربيين بقياده اميركا المطلق لها في حرب الاباده ضد الشعب الفلسطيني وتحقيق كامل أهدافها بتدمير غزه واباده اكبر عدد من الفلسطينيين واستئصال المقاومه واسترجاع الرهائن واعاده السيطره على قطاع غزه وامكانيه تهجير سكانه إلى سيناء المصرية.

الموقف في الجمعية العامة

وبالنسبة للجمعية العامة للأمم المتحدة وفي ضوء فشل مجلس الأمن في اصدار قرار بوقف إطلاق النار وبناء على طلب الأردن ودول أخرى، وبدعوة من رئيس الجمعية العامة، السيد دينيس فرانسيس، جرى انعقاد الجمعية العامة في 27 أكتوبر2023، وقد تحدث امام الاجتماع مندوب فلسطين د . رياض منصور والأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيرش ووزير الخارجية الأردني وعدد من المندوبين، ثم جرى التصويت على مشروع قرار يدعو لهدنه انسانيه فوريه ودائمه ومستدامه تفضي إلى وقف الاعمال العدوانيه والقيام باعمال الاغاثه بدون عوائق،حيث فاز باغلبيه كبيره (120) صوتا في حين تزعمت أمريكا التي وصفت القرار بالمشين، الدول المعارضة له (14) او الممتنعين عن التصويت (45) وغياب "إسرائيل" في احتقار واضح للشرعيه الدولية وفي توجه واضح لعدم الامتثال للقرار؛ حيث رفضته "إسرائيل" جمله وتفصيلا. لكن الهدنه لمده أسبوع فقط قد تمت لتبادل مجموعه من الاسرى واعمال اغاثة محدوده ثم عمدت "إسرائيل" بدعم أمريكا لاستئناف الحرب.

وأثر فشل مجلس الامن مره أخرى في التوصل لقرار يدعو لوقف فوري لاطلاق النار في 8-12-2023 كما ذكرنا، وتصاعد حرب الاباده "الاسرائيلية" على الشعب الفلسطيني في غزه وباقي الأرض الفلسطينية المحتله،عاودت الجمعية العامة الانعقاد في 12-12-2023 ولكن هذه المره لمناقشه مشروع مقدم من الامارات العربية المتحدة نيابه عن 21 دوله عربيه ودعم من اكثر من 100 دولة ويدعو إلى وقف فوري لاطلاق النار لاسباب انسانيه، والامتثال للقانون الدولي؛ بما في ذلك القانون الدولي الإنساني خاصه حمايه المدنيين وتبادل الاسرى وضمان القيام باعمال الاغاثه والاشاره لرساله الأمين العام لرئيس مجلس الامن في 6-12-2023 بموجب مسؤؤلياته حسب الماده 99 من ميثاق الأمم المتحدة.

وفي هذه المره حضر السفير "الإسرائيلي" الذي رفع لوحه بها رقم تليفون يحيى السنوار (القيادي في حماس) لمخاطبته بالاستسلام، في احتقار واضح للجمعيه العامة للامم المتحدة. ومره أخرى ورغم اغلبية كاسحة بتأييد مشروع القرار بـ153 صوتا من 193 صوتا، فقد تزعمت أمريكا معارضته من قبل 10 دول ومنهم "إسرائيل" ودول هامشية بالطبع في اشاره إلى عدم التزام امريكا و"إسرائيل" بالقرار وامتناع 23 دوله عن التصويت بضغط من أمريكا وحلفائها.

وقد بررت سفيره أمريكا في الأمم المتحدة ليندا جرينفيلد معارضتها للمشروع "لعدم ادانته حماس لاعمالها المروعة" وتجاهلت حرب الاباده الاسرائيليه واحتلالها لفلسطين طوال 75 عاما. وقد عبر مندوب فلسطين السفير رياض منصور عن الموقف النبيل للجمعيه العامة.

واهتم فاكلاف بالك رئيس مجلس حقوق الانسان والمفوض السامي لحقوق الانسان فولكر تورك والمقرر الخاص لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتله فرانسسكا البانيز وتابعو مجريات الحرب وما رافقها ويترتب عليها،ومره أخرى منعت "إسرائيل" زيار تورك وفرانسسكا إلى غزه والأراضي الفلسطينية المحتله، وبدلا من ذلك زار تورك رفح المصريه وعمان عاصمه الأردن للقاء نازحين فلسطينين من غزه. وقد عبر الثلاثه ان لديهم مخاوف جديه من انتهاك "إسرائيل" للقانون الدولي الإنساني في غزه وطالبوا بوقف فوري للحرب وانهاء الاحتلال و على غزه وتصاعد الانتهاكات في فلسطين المحتلو. ورغم ذلك ولم تجر إدانه "إسرائيل" صراحه في المجلس بسبب معارضه أمريكا وحلفائها الذين حالوا دون ذلك، وحالوا دون عقد جلسه خاصه للمجلس لمناقشه الحرب "الاسرائيلية" على الشعب الفلسطيني وعطلوا اصدار المجلس لقرارواضح يدين حرب الاباده "الاسرائيليه" وجرائم الحرب والاباده والتطهير العرقي ويتخذ إجراءات بحق "إسرائيل".

ومن أهم قرارت الأمم المتحدة في 1949 إقامة وكالة الأمم المتحدة لاغاثه وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) لتقديم الخدمات التعليميه والصحيه والمعيشيه للاجائين الفلسطينين في فلسطين المحتله والأردن ولبنان وسوريا وهذا يشمل بالطبع قطاع غزه الأكثر ازدحاما وفقرا ونسبه اللاجئين (2.3 مليون على مساحه 360 كلم2) وتوظف 7 آلاف فلسطيني في غزه فقط. ومما له دلالته بعد استهداف إسرائيل لمنشئات اللاونروا وقتل 150 من موظفيها، فقد عمدت أمريكا وحلفائها لإيقاف مساهماتهم في الاونروا بعد اتهام الموساد الاسرائيلي لـ12 من موظفيها بالتعاون مع حماس، وهي اتهامات تعكف الأمم المتحدة على التحقيق فيها.

وتقدم وكالات الأمم المتحدة الأخرى مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الغذاء العالمي وصندوق الأمم المتحدة للطفوله (اليونسف) والمساعدات الانسانيه ومنظمه اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات إنسانية أخرى مثل أطباء بلا حدود والمساعدة النرويجية وغيرها من مساعدات ودعم الشعب الفلسطيني، بما في ذلك قطاع غزة. وقد تعرضت منشآت هذه المنظمات والمؤسسات الفلسطينية التي تتعاون معها إلى استهداف "إسرائيل" لها وقتل عدد كبير من العاملين أو المتعاونين معها.

إن سجل الكيان الصهيوني في عدم الانصياع للشرعية الدولية وخصوصا الأمم المتحدة التي اضفت الشرعية على هذا الكيان هو سجل حافل منذ تاسيسه في 1948 فهو محصن بدعم من الغرب بقياده امريكا. لكن ما قامت به "إسرائيل" خلال حرب الاباده للشعب الفلسطيني في غزة وباقي فلسطين المحتله واستهدافها لموسسات الأمم المتحدة ومقراتها وقتل العاملين فيها والمتعاونين معها وانتهاك حصانتها، وتحقير وعقاب كبار المسؤولين في الأمم المتحدة وعلى رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش لاسابق له في تاريخ الأمم المتحدة،وهو مااكده هؤلاء المسؤؤلين.

لكن ذلك بفضل التواطؤ الأمريكي مع "إسرائيل" والتحالف الغربي معها، وتخاذل غالبية الدول العربية ولا مبالاة غالبية الدول الإسلامية ودول أخرى، خضوعًا للتحالف الغربي والترهيب الصهيوني؛ باستثناء عدد قليل من الدول الشجاعة مثل جنوب أفريقيا.