دكان العم خلفان

 

د.إبراهيم السيابي

 

كان العم خلفان يعمل في وظيفة بسيطة، ثم فكّر في وضع حد لهذه الوظيفة بإقامة مشروعه الخاص، وبعد تردد ومفاضلة بين مشاريع عدة، استقر به الحال إلى إقامة دكان لبيع المواد الغذائية، والفواكه، والخضروات، ومستلزمات المنازل، واختار موقعًا ظن أنه مناسب لهذا الدكان بين الأحياء السكنية لخدمة ذلك الحي، ويوفر على قاطنيه عناء الوقت للذهاب لشراء احتياجاتهم من هذه المواد. ولأنه كان بحاجة إلى رأس مال للمشروع، فقد باع قطعة الأرض الوحيدة التي يملكها وخصص ثمن البيع لهذا الغرض.

وما شجع العم خلفان لإقامة هذا المشروع كذلك هو ابنه سعيد، الذي يعمل منذ سنين في أحد المراكز التجارية التي تعمل في المجال نفسه؛ فاكتسب بعد تنقله في أكثر من قسم في المركز خبرة عن الموردين، والأسعار، وأنظمة الحاسب الآلي.

وبعد جهد كبير وتحضير وتجهيز افتُتِح هذا الدكان بعد تزويده بكافة الأغراض والمستلزمات حتى يلبي كل ما يطلبه الزبائن تحت سقف واحد. لكن العم خلفان شَعرَ بخيبة أمل وحزن شديدين؛ لأنَّ محله لم يجد الإقبال المأمول رغم مضي فترة زمنية على افتتاحه، فذهب شاكيًا الحال إلى صديقه الوافد الذي له باع طويل في المهنة، فزاره في الدكان، وأبدى رغبته في المساعدة بأن يستأجر منه الدكان ويريحه من هذا العناء، فرفض العم خلفان هذه الفكرة، وتساءل بينه وبين نفسه: ماذا عن حلمه؟ وماذا عن طموحه بأن يصبح صاحب مشروع؟ وماذا عن ولده الذي ترك عمله ليكون صاحب المال، وهل سيعود للعمل تحت إمرة الآخرين؟

وتساءل كذلك عن رأس ماله، ومصاريف الإيجار والكهرباء والعمال وغيرها من المصاريف إذا استمر على هذا الحال؟

وقع العم خلفان وابنه في حيرة من أمرهما، فذهب ابنه سعيد إلى مديره السابق في المركز التجاري وأخبره بالأمر، وأحضره إلى الدكان، فتفقد هذا المدير المكان والحي، وقال إن المحل في مكان مناسب، وتفقد المواد والمستلزمات والأسعار، وأكد كذلك أنها مناسبة، ثم قدّم لهما بعض النصائح.

إن الحقيقة مع الأسف لا تتعلق بالمكان ولا بالمواد، فنحن من نُحبِط عم خلفان وأمثاله، ونتعلل مرة بالأسعار، ومرة بعدم توافر كل المواد، ومرة لأسباب ومبررات واهية، ونتجاهل أن دكان العم خلفان هو قيمة مضافة دون أن نعلم، وكما قال الشافعي في السفر إن له سبع فوائد؛ فإنَّ في مشروع دكان العم خلفان فوائد منها:

أولًا: أنه مصدر دخل الآن على الأقل لأكثر من أسرة، أسرة عم خلفان وأسرة ابنه.

ثانيًا: توفير فرص عمل للباحثين عن عمل.

ثالثًا: نجاح مثل هذه المشروع يعطي الفرصة لإقامة مشاريع أخرى مشابهة في أحياء أخرى للمواطنين.

رابعًا: تقديم خدمة للاقتصاد بضمان بقاء النقد المالي في البلاد وعدم مغادرته للخارج.

خامسًا: تمنح الشباب الثقة بالنفس نحو إقامة مشاريعهم الصغيرة، وعدم الاعتماد فقط على الوظيفة.

سادسًا: تقديم المعرفة بخبايا السوق والتزود بالمعلومات عن هذا القطاع.

سابعًا: تعطي الثقة للمستهلكين والعملاء عن الأسعار، وتقديم أحسن الخدمات.

ثامنًا: ترسيخ روح التكافل في المجتمع، من خلال احتضان المجتمع لمشاريع أبناء البلد.

أخيرًا، يبتسم العم خلفان وهو يودع أحد المسؤولين الذين مروا على دكانه؛ ليشجّعه ويشد من أزره، ووعده هذا المسؤول بتقديم كافة ما يحتاجه من الدعم؛ لإنجاح مشروعه، ثم ينادي العم خلفان ابنه سعيد بكل ثقة وعزيمة لتجهيز قائمة احتياجات الغد، فقد قرر العم خلفان خوض تحدي التجارة، ويقاتل من أجل هذه الفرصة حتى النهاية، ونحن في المقابل علينا كذلك تحمل المسؤولية، ونتخلص من المبررات التي وضعناها لأنفسنا؛ فهي ليست سوى أعذار واهية، وعلينا أن نشجع العم خلفان ورفاقه، ونعززهم نحو النجاح، وعدم التعلل بالمبررات مثل: الأسعار، وعدم توافر كل الاحتياجات، ولنتذكر أنَّ الذي نصرفه في دكان العم خلفان ورفاقه وإن خرج من جيوبنا، فإنه يبقى حولنا، وسيعود إلينا.

تعليق عبر الفيس بوك