"الله نور السماوات والأرض"

 

أنيسة الهوتية

نستفتح المقال بآية النور، وهي الآية 35 في سورة النور: "الله نور السَماواتِ والأرض مَثَل نورهِ كَمِشكاةٍ فِيها مِصباحٌ المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كَوكبٌ دريٌ يوقَد مِن شَجرةٍ مبارَكةٍ زَيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غَربية يَكاد زَيتها يضيء وَلَو لَم تَمسسه نَارٌ نورٌ عَلى نورٍ يَهدي الله لنورهِ مَن يشاء وَيضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيءٍ عَليم" صدق الله العظيم.

وسورة النور مِن السور الطِوال في القرآن الكريم ومن المتعارف عند الأغلب أن أطول آية في القرآن الكريم هي آية الدَين أو المداينة أو التداين وهي الآية 282 من سورة البقرة.

والنور ضوءٌ يتسلل عبر الظلمة فيقشعها وينيرها، والضوء نوعٌ من الإشعاعاتِ التي تنتشر في الفضاء وتمكِننا من رؤية الأشياءِ في الظلام، والإشعاعات والتي مفردها شعاع هي طاقة منبعثة تؤثر على العين البشرية معتمدة على عدة عوامل، وَيدخل العين من خلال القرنية والعدسة فيتركز على الشبكية التي تحتوي على خلايا حساسة للضوء تسمى العصب البصري والذي بدوره يحول الإشارات الضوئية إلى إشارات عصبية ترسل إلى الدماغ، وهناك يتم ترجمة الإشارات فنرى الصورة النهائية بالإضاءة بعيدًا عن الظلمة.

والإنسان الذي يعاني  من خلل في تلك الأجهزة والأنسجة لا يستطيع الرؤية والإبصار برغم وجود النور المضيءِ حوله، ومثله الإنسان الذي يعاني من خلل في أنسجة عضلة القلب أو في صماماتهِ وشرايينه الأربعة، فإنه يكون فاقداَ للبصيرةِ وهذا وضعه أسوأ من الفاقدِ للبصر.

ويكاد يكون قلبه كمثل المصباح المحترقِ فتيله لا يضيء ويبقى في ظلامٍ دامسٍ مهما كان النور ساطعًا حوله، أما القلب الذي يسع الكون كله بما فيهِ فهو قلبٌ يضيء بنورِ خالقهِ سبحانه عزّ وَجَل، وهو قَلبٌ لا يعبد الله خشية جهنم، ولا يعبد الله طمعًا في الجنة، إنما يعبد الله حُبًا وغرامًا وهُيامًا مؤمنًا إيمانًا تامًا ويقينًا بأنه الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، المتفرد بالعبادة حقًا.

وهذا القلب نتصوره كما وصفته الآية الكريمة؛ فالمِشكاة التي شبهت بِكوةِ البيت والتي هيَ نافذةٌ مغلقةٌ في جدار البيت سنشبّهها بفجوة القلبِ في وسطِ صدرِ جسم الإنسانِ مع القليل من الميلانِ إلى الجانب الأيسر، والمصباح أو الفتيل هما الشريانين الرئوي والأبهر والأذينيينِ الأيمن والأيسر، والصمامات الثلاثة التاجيّ، والأبهري، والرئوي، والزجاجة هي البطينينِ الأيمن والأيسر والحاجز السميك بينهما، وكل ذلك التصميم الدقيق مَعًا هو القلب.

ومثل المصباح الذي لا يضيء بدون الزيت، أو في زمننا الحالي بدون كهرباء، فإن عضلة القلب كذلك لا تعمل ولا تضيء إلا بجريان الدمِ فيها، والذي يشبَّه بزيت الزيتونة المباركة التي هي لاشرقية ولاغربية وهي الشجرة التي تكون في موضع من الشجرِة لا تشرق الشمس عليها ولا تغرب، إلا أنها تثمر بكثرةٍ وكرمٍ شديد.

والقلب الذي يسكنه نور اللهِ الذي هو نور السماوات والأرض، يكون قلبًا مشعًا منيرًا لا عتمة فيهِ ولاحوله، وصاحب القلبِ هذا متى ما جلس وظهرَ ينير المكان الذي يتواجد فيهِ بطاقةٍ إيجابيةٍ مُبهرةٍ تغمر المتواجدين حوله وإن لم يتحدث معهم أو أن يرمشهم بطرفة عين. فإن نور الله يشعُّ من قلبهِ على مَن حوله أينما حَل، وهؤلاءِ هم أحباب الله تعالى وأولياؤه الصالحين الذين يندر وجودهم في الكون، والأرضَ لا تخلومنهم ويبقون على مر الأزمانِ موجودين وإن قَلوا، تجلو السماحة وجوههم، والوقار يغشى وجودهم، والطاعة تنير طباعهم.