فاطمة الحارثية
إعطاء المسؤولية لغير أهلها ليس سوء اختيار، إذا جرى تدارك الأمر وتعديله، بيْدَ أن إعطاء فرص لا متناهية، لمسؤول لا يضُر بصالح المؤسسة في شخصنته وقراراته وحسب؛ بل يصل به الأمر إلى تَأْلِيه نفسه والربوبية- والعياذ بالله- والتصريح بأنه مُقسِّم ومُوزِّع لما هو فعليًا رزق الله على عباده، وأنه يُعطي من يشاء ويمنع ممن يشاء، يُسقط على العاقل خوف غضب الله على الناس قبل المكان.
ربما ترى أن قولي هذا مبالغ فيه، اذا لتراجع التأثيرات المحتملة لهذه السلوكيات، ووقعها على الأداء من قصص ووقائع كانت ولم يُستفاد من دروسها؛ إنها سلوكيات تجرد حق الشركة من ولاء موظفيها، ليصبح الولاء للأفراد أي المسؤولين، مما يقطع ويؤثر على سلامة واستدامة أداء المؤسسة، لأن الذي يتفشى هو السعي نحو رضا المسؤول، وليس سلامة العمل، خاصة في حالة المسؤول الغير مؤهل وغير الجدير.
إن المؤسسات تؤتمن على عقول الناس، وحُسن استخدام المهارات والكفاءات البشرية، وإجادة استخدام الموارد والعلاقات، ولم يجتهد أي نظام على خارطة التجارة والاقتصاد، إلا ليُعمم النفع ويأتي بثمار صالحة، وهذا جزء من الذكاء الإيجابي للمؤسسة، وكما أجمع خبراء الاقتصاد والموارد، على أن السلبية بشتى أنواعها هادمة ومرفوضة تمامًا في بيئة المؤسسات والتكتلات الاجتماعية، وأن محاربتها ونبذها واجب ومسؤولية.
وعليه أرى أن على المؤسسات تعلم ماهية الإيجابية وسبل استثمارها، وأنواع السلبيات واثرها على المدى القصير والطويل وطرق التحكم بها، ليتمكنوا من صناعة مؤسسات مستدامة، ومؤثرة استراتيجيا في صناعة القرار الاقتصادي والاستثماري، ويفخر بها العاملين فيها وهوية يُقتدى بها.
ومع الخبرة التي جمعتُها والاطلاع الدائم، وجدتُ أن أنماط الأداء التقليدية آفة سلبية، وأفضل مساعد للمؤسسات هو الأنظمة المرنة، التي تجعل التغيير سلسلا وبوتيرة مُحفزه، وأن تحفيز أداء المؤسسة لا يكمن في تحفيز الأفراد فقط؛ بل يحتاج إلى التوغل داخل ذوات العاملين فيها، ولا اقصد في القول هنا التأثير في منظومة أسس العيش والبقاء مثل العلاوات والزيادات والمميزات لصناعة التحفيز، فهذا للأسف يصنع الخلل والميل لمن يُعطي أكثر، ومن أجل تحقيق التحفيز المؤسسي، وجب الوصول إلى عمق ولاء الموظف لصنع التميز، فتعلق الإنسان بهدف وقيمة ومبادئ أقوى مفعولًا من طعم العيش، ووصول مؤسسات الدولة إلى تلك الحقيقة أمرًا مفروغًا منه.
بيْدَ أن القدرة على تطبيق ذلك هو من أصعب الأمور؛ لأن الولاء يأتي بعد الكثير من التجميعات لمشاعر وسلوكيات مثل الصدق، الشفافية، القبول، الثقة، الالتزام، تحمل المسؤولية، والكثير من الظروف المهمة المؤثرة في نفوس الأفراد لخلق ولاءً تامًا راسخًا ثابتًا ومعديًا، لا يتأثر بالماديات ولا بالظروف.
إنَّ المؤسسات الذكية التي تطمح إلى ابعد من مجرد الربح، لتكون عضوًا استراتيجيًا فاعلًا في المجتمع، ومصدرًا مُهمًا للفرص وتستحق أن تشارك في صناعة القرار، لا يكون إلّا بمسؤولين يعلمون جيدا كيف يصنعون الولاء لخدمة الوطن من خلال المؤسسة، ويكون معظم اهتمامهم إعطاء الفرص والبرهان للعاملين لديهم، ومنحهم القدرة على رؤية مدى أبعاد تأثير أدائهم الفاعل على المؤسسة، والمجتمع والمحافظة والدولة وابعد من ذلك إذا وجد؛ ويجعل المسؤول من هم حوله يعتزون بمنجزاتهم، وتأثيرهم بغض النظر عن مواقعهم العملية، أو مناصبهم أو درجاتهم الوظيفية.
لا ينبغي أن نستهين بولاء المخلصين لهذا الوطن، ولا يحق لأيا كان أن يستسهل الخطأ بعذر سلطته أو وجوب احترامه لأنه المُختار، ولا يجب أن يتحسس صانع الاختيار أننا لم نحترم اختياره، ففي الأخير كلنا نُخطئ والجميع يتأثر بالسلطة، ولا يمتلك جميع من مُنحوا السلطة حُسن استخدام السلطة، والقدرة على مقاومة مغريات الحياة والخطأ وارد، عدا أننا نتفق أن الخطأ أنواع ومنها ما لا يجب تجاوزه وقبوله، خاص الأخطاء الجسيمة في سوء استخدام السلطة، ومحاولة قمع الفاعلين والمجتهدين في المؤسسة، بعذر أننا يجب أن نعمل بصمت، وأن على الجميع أن يتساوى في الجهد، ونشر أنه وجب عدم إتقان الأداء حتى لا نُحرج الآخرين أو تزيد المسؤوليات، أعلم أن هذا يبدوا ساخرا إلا أنه للأسف واقع مرير لا يستحقه هذا الوطن الغالي.
سمو...
عُمان، جنتنا الغالية، اغفري لبعض عُشاقِك ضعف حيلتهم، واسعدي برعاية الله لك؛ فالدنس عليك سيُزاح بصيبٍ نافعٍ وطُهر الدعاء.