عبد النبي العكري
مُنذ بَدء الجولة الحالية من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة والعمليات العسكرية في الضفة والقدس في 7 أكتوبر 2023، وحتى بعد أن تجاوزت فترة الشهرين ونصف الشهر، وبما ترتب عليه من دمار هائل وخسائر فادحة في الأرواح الفلسطينية، فإن أمريكا- الحليف والشريك للكيان الصهيوني- وحلفاءها تعمد إلى تعطيل الشرعية الدولية للمؤسسات، وخصوصًا مؤسسات الأمم المتحدة: الجمعية العامة ومجلس الأمن وحتى الأمين العام نفسه ومفوض حقوق الإنسان، إلى جانب الوكالات المختصة وتحديدًا الأونروا، إلى جانب تعطيل القانون الدولي، وخصوصًا القانون الدولي ضد الإبادة البشرية والقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربعة وملحقاتها.
وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، فإنه في حالات نشوء نزاع مسلح أو حرب تهدد السلام العالمي أو أي عضو في المجموعة الدولية كما هو حال الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني الذي تحتل وطنه منذ 1948 حتى الآن؛ أي طوال 75 عامًا، فإن من الطبيعي أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة هو أول من يُنبّه المجتمع الدولي والأمم المتحدة وخصوصًا مجلس الأمن إلى ذلك. وقد قام الأمين العام أنطونيو جوتيرش بذلك، لكنه قوبل بصلف إسرائيلي واتهامه بمعاداة إسرائيل والسامية وطالبته دولة الاحتلال بالاستقالة! وهو ما لم يتعرض له أي أمين عام سابق. وتكرر الموقف الإسرائيلي الوقح حينما كان الأمين العام يُلقي كلمته أمام مجلس الأمن أو الجمعية العامة، كما عمدت إلى تنفيذ إجراءات عقابية بحقه وبحق الأمم المتحدة، ومنها منع الأمين العام من زيارة غزّة، وإلغاء جميع تأشيرات كبار موظفي الأمم المتحدة إلى فلسطين المحتلة، وقد حظي الموقف الإسرائيلي بدعم الولايات المتحدة!
ومجلس الأمن هو الجهة الأساسية في الأمم المتحدة التي تتعاطى مع أي نزاع مسلح أو حرب أو حالة تنذر بذلك وتهدد السلم والأمن والاستقرار العالمي أو أي عضو من الأعضاء في الأمم المتحدة. والمجلس مكون من 15 دولة عضوًا بالأمم المتحدة، منها دول دائمة العضوية وهي: أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، وتتمتع بحق النقض "فيتو"؛ أي الاعتراض أو نقض أي قرار للمجلس. إضافة إلى 10 أعضاء؛ يمثل كل قارة اثنان، ويجري انتخاب كل منهم لسنتين، ويرأس المجلس لمدة شهر عضو من المجلس حسب الترتيب الأبجدي.
ويستطيع الأمين العام أو أي دولة أو مجموعة دول طلب انعقاد المجلس بدعوة من رئيسه بعد مشاورات لتحديد جدية الوضع والدعوة، ومن ثم الدعوة لعقد اجتماع للمجلس ومناقشة موضوع الدعوة بحضور الدول والأطراف ذات العلاقة. وبالنسبة لحرب إسرائيل على غزّة بدءًا من 7-10-2023، فقد تناوب على رئاسة المجلس السفير البرازيلي سيرجيو نيتو لشهرأكتوبر، والسفير الصيني تشانج جن لشهر نوفمبر، وسفير الأكوادور خوسية لاجسكا لشهر ديسمبر، علمًا بأن الدول الثلاث غير متورطة بالتحالف الأمريكي مع إسرائيل في حربها العدوانية.
ولذا فقد سعى سفراء هذه الدول الثلاثة، لانعقاد مجلس الأمن وإيقاف حرب الإبادة. لكنَّ أمريكا وحلفاءها وبتطابق كامل مع الموقف الإسرائيلي، عمدوا إلى تعطيل انعقاد مجلس الأمن ودوره ومسؤوليته تجاه الحرب الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني وخطر تحولها إلى حرب إقليمية ذات أبعاد دولية، وذلك خلافًا لمسؤولياتهم كدول كبرى ودائمة العضوية في مجلس الأمن ومسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي وتجاه النظام الدولي للأمم المتحدة.
وللعلم.. فإن العرب ممثلون في مجلس الأمن بدولة الإمارات العربية المتحدة والتي بذلت جهودًا كبيرة بالتنسيق مع سفير فلسطين وسفراء دول عديدة لعقد اجتماع لمجلس الأمن لإيقاف الحرب الصهيونية على غزّة وما يترتب عليها.
ورغم محاولات الرئاسة البرازيلية وأكثرية الدول الأعضاء في المجلس، فقد حالت أمريكا- وحليفاها: بريطانيا وفرنسا- دون انعقاد المجلس منذ بداية الحرب الصهيونية في 7 أكتوبر 2023، طوال فترة الرئاسة البرازيلية، وبعدها، رافضة جميع مشاريع القرارات التي يمكن أن يصدرها المجلس، وخصوصًا وقف القتال، مُهددةً باستخدام الفيتو ومدعومة ببريطانيا وفرنسا؛ وهي سابقة تاريخية في تعاطي المجلس مع الأزمات الخطيرة كهذه الحرب المدمرة، وتعكس تطابقًا وشراكة كاملة لأمريكا وحلفائها مع إسرائيل الخارجة عن الشرعية الدولية، وثمرة انتهاك كل ما يمثله ككيان عنصري قائم على اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها.
عَمِدَ السفير الصيني رئيس مجلس الأمن لشهر نوفمبر، مدعومًا بأغلبية الأعضاء إلى دعوة مجلس الأمن للانعقاد في 14-11-2023 لمناقشة الحرب الصهيونية على غزّة، فيما استخدمت أمريكا الفيتو لإحباط مشروع القرار الروسي ومن بعده البرازيلي، والذي كان يدعو لوقف إطلاق النار وتنفيذ عملية إغاثة لفلسطينيي غزّة واستئناف المفاوضات.
وتكرر الموقف في 8 ديسمبر 2023؛ أي بعد مضي شهرين على حرب الإبادة؛ حيث دعا رئيس المجلس سفير الإكوادور إلى جلسه لمجلس الأمن في ضوء تقديم الأمين العام وبموجب صلاحياته حسب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، للفت نظر المجلس لخطورة أي نزاع على الأمن والسلم الدوليين. وبناءً عليه، تقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة بمشروع قرار لوقف فوري لإطلاق النار ما بين إسرائيل وحماس في غزّة، وإطلاق أعمال الإغاثة الشاملة واستئناف مفاوضات السلام؛ حيث صوَّت بالتأييد لمشروع القرار 13 من أعضاء المجلس الـ15 بمن فيهم حلفاء وأصدقاء لأمريكا، فيما استخدمت أمريكا الفيتو لإسقاط مشروع القرار، وعمدت وبريطانيا للامتناع عن التصويت مساندةً لأمريكا!
موقف أمريكا هنا تعبير واضح عن إساءة استخدام سُلطتها لتعطيل مجلس الأمن وتأمين الكيان الصهيوني من الامتثال للشرعية الدولية والمحاسبة.
إنه يوم أسود في تاريخ الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إنها إجازة مفتوحة لإسرائيل للاستمرار في مذابحها ضد الشعب الفلسطيني في غزّة، هكذا عبر عن الموقف د. رياض منصور سفير فلسطين في الأمم المتحدة بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" منفردة لإحباط مشروع القرار الذي تقدّمت به دولة الإمارات؛ حيث عبّر مندوبها عن خيبة أمله في السلوك الأمريكي المنحاز كلية للكيان الصهيوني في حرب الإبادة.
تكرر هذا السلوك الأمريكي المشين بعد عشرة أيام، وتحديدًا يوم الإثنين 18-12-2023؛ حيث قدّم وفد الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى مشروع قرار جديد يدعو إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين المتحاربين إسرائيل وحماس، وتحمل إسرائيل لمسؤوليتها كقوة احتلال تجاه السكان المدنيين في غزّة بعدم استهدافهم، وأن يتعاون الطرفان في تسهيل أعمال الإغاثة التي تقوم بها الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى.
لكن الولايات المتحدة وقفت بالمرصاد ضد مشروع القرار الجديد وادخلت المجلس في مساومات وابتزازات لتعديل النص بحيث لا توقف إسرائيل حرب الإبادة وأن لا تتحمل مسؤوليتها كقوة احتلال ومسؤولية إعاقتها لأعمال الإغاثة. وأمام هول المأساة التي يعانيها الشعب الفلسطيني في غزّة أخضعت أمريكا المجلس لابتزازها للموافقة على مشروع قرار يوم الجمعة 22-12-2023؛ أي بعد مضي 5 أيام يطلب من جميع الأطراف لكل من إسرائيل وحماس باتخاذ خطوات فورية للسماح فورا بامدادات الإغاثة الإنسانية وخلق الظروف لوضع حد مستدام للأعمال العدائية في قطاع غزّة.
وهو قرار لا يلزم إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية لضمان سلامة أعمال الإغاثة والإنقاذ؛ حيث عبر الأمين العام للأمم المتحدة عن ذلك أن القوات الإسرائيلية تخلق عقبات هائلة أمام إغاثة غزّة. وهكذا واصلت إسرائيل حرب الإبادة بدعم أمريكا وحلفائها واستمر تعثر أعمال الإغاثة للشعب المنكوب.
وهكذا أكد بنيامين نتنياهو تكرارًا أن الحرب مستمرة حتى تصفية حماس واسترجاع الأسرى والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزّة. وكان مُلفتًا اتصال نتنياهو بحليفه الرئيس الأمريكي بايدن وشكره لدعمه القوي لإسرائيل في مجلس الأمن. علاوة على ذلك، قام وزير الدفاع الأمريكي الجنرال لويد أوستن بجولة للكيان الصهيوني ودول المنطقة لتشكيل قوة بحرية في البحر الأحمر لضمان ما سماه حرية الملاحة في البحر الاحمر وفي الواقع ضمان الملاحة للموانئ الإسرائيلية، خصوصًا إيلات.
كان موقف الولايات المتحدة متوقعا في ضوء علاقاتها المنحازة كلية للكيان الصهيوني وخصوصًا في حرب الإبادة هذه، ولكنه موقف صاعق من قبل أمريكا وحلفائها في ضوء جسامه الخسائر الفادحة والمجازر المرتكبة ضد المدنيين بعشرات الآلاف وتدمير منهجي لكل ما هو قائم على ارض غزّة واقتحامات مدمرة في باقي فلسطين المحتلة (الضفة والقدس)، وفي ضوء إحباط الولايات المتحدة على امتداد اكثر من شهرين ونصف لكل المحاولات لاستصدار قرار من مجلس الأمن لوقف حرب الإبادة ضد 2.3 مليون من الشعب الفلسطيني في غزّة.
هذا الموقف في مجلس الأمن يعكس دعم حلفاء إسرائيل الغربيين بقيادة أمريكا المطلق له في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وتحقيق كامل أهدافها بتدمير غزّة وابادة اكبر عدد من الفلسطينيين واستئصال المقاومه واسترجاع الرهائن وإعادة السيطرة على قطاع غزّة وإمكانية تهجير سكانه إلى سيناء المصرية. من هنا دعمهم للموقف الإسرائيلي بعدم وقف الحرب الإسرائيلية وقف لإطلاق النار من قبل إسرائيل وهم الولايات المتحدة فرنسا وبريطانيا (أعضاء مجلس الأمن الدائمين مع حق الفيتو) والمانيا وإيطاليا والنمسا وأستراليا وكندا وغيرهم، وهذا يشمل معارضة الدعوات لوقف الحرب الإسرائيلية مجالسهم التشريعية والبرلمان الأوروبي وفي جميع المحافل الدولية. والاستثناء هنا أسبانيا وبلجيكا وبعض دول أمريكا اللاتينية.
الموقف في الجمعية العامة وبالنسبة للجمعية العامة للأمم المتحدة وفي ضوء فشل مجلس الأمن في إصدار قرار بوقف إطلاق النار وبناء على طلب الأردن ودول أخرى بدعوة من رئيس الجمعية العامة، السيد دينيس فرانسيس، جرى انعقاد الجمعية العامة في 27 أكتوبر 2023، وقد تحدث أمام الاجتماع مندوب فلسطين د. رياض منصور والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جيتيرش ووزير الخارجية الأردني وعدد من المندوبين، ثم جرى التصويت على مشروع قرار يدعو لهدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تُفضي إلى وقف الأعمال العدوانية والقيام بأعمال الإغاثة بدون عوائق؛ حيث فاز بأغلبية كبيرة 120 صوتًا في حين تزعمت أمريكا التي وصفت القرار بالمشين، الدول المعارضة له 14 أو الممتنعين عن التصويت 45 وغياب إسرائيل في احتقار واضح للشرعية الدولية و في توجه واضح لعدم الامتثال للقرار؛ حيث رفضته إسرائيل جملة وتفصيلا. لكن الهدنة لمدة أسبوع فقط قد تمت لتبادل مجموعه من الاسرى واعمال اغاثة محدودة ثم عمدت إسرائيل بدعم أمريكا لاستئناف الحرب.
وإثر فشل مجلس الأمن مرة أخرى في التوصل لقرار يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في 8-12-2023 كما ذكرنا، وتصاعد حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزّة وباقي الأرض الفلسطينية المحتلة، عاودت الجمعية العامة الانعقاد في 12-12-2023 ولكن هذه المرة لمناقشة مشروع مقدم من الإمارات العربية المتحدة نيابة عن 21 دولة عربية ودعم من أكثر من 100 دولة ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، والامتثال للقانون الدولي؛ بما في ذلك القانون الدولي الإنساني خاصة حماية المدنيين والإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن وضمان القيام بأعمال الإغاثة والإشارة لرسالة الأمين العام لرئيس مجلس الأمن في 6-12-2023 بموجب مسؤولياته حسب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة.
وفي هذه المرة حضر السفير الإسرائيلي الذي رفع لوحة بها رقم تلفون السنوار (القيادي في حماس) لمخاطبته بالاستسلام في احتقار واضح للجمعية العامة للأمم المتحدة. ومرة أخرى، ورغم أغلبية كاسحة بتأييد مشروع القرار بـ153 صوتا من 193 صوتا، فقد تزعمت أمريكا معارضته من قبل 10 دول ومنهم إسرائيل ودول هامشية بالطبع في إشارة إلى عدم التزام أمريكا وإسرائيل بالقرار وامتناع 23 دولة عن التصويت بضغط من أمريكا وحلفائها. وقد بررت سفيره أمريكا في الأمم المتحدة ليندا جرينفيلد معارضتها للمشروع لعدم إدانته حماس لأعمالها المروعة وتجاهلت حرب الإبادة الإسرائيلية واحتلالها لفلسطين طوال 75 عاما. وقد عبر مندوب فلسطين السفير رياض منصور عن الموقف النبيل للجمعية العامة.
أما مجلس حقوق الإنسان في جنيف والذي يضم جميع أعضاء الأمم المتحدة والذين يقومون بانتخاب 47 دولة عضو لمدة 3 سنوات دوريا، فإنه يقوم بتمثيل يضمن توازن تمثيل دول العالم، وهو الجهة الاممية التي تتعاطى مع قضايا حقوق الإنسان للافراد والجماغات والشعوب، وخصوصا في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة وما يترتب عليها من انتهاكات للقانون الدولي الإنساني من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من ابادة جماعية وتطهير عرقي ضد المدنيين.
ويتولى المفوض السامي لحقوق الإنسان المنتخب من قبل مجلس الأمن بتوصية من الأمين العام رئاسه الجهاز التنفيذي لحقوق الإنسان ويقدم تقاريره وتقارير اليات الأمم المتحدة إلى مجلس حقوق الإنسان.
ومنذ شن إسرائيل لحربها على غزّة في 7-10-2023 فقد كان كلا من رئيس المجلس السيد فاكلاف بالك والمفوض السامي فولكر تورك والمقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينه المحتلة فرانسسكا البانيز مهتمون ومتابعون لمجريات الحرب وما رافقها ويترتب عليها، ومرة أخرى منعت إسرائيل زيار تورك وفرانسسكا إلى غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلة وبدلا من ذلك زار تورك رفح المصرية وعمان عاصمه الأردن للقاء نازحين فلسطينين من غزّة.
وقد عبر الثلاثة أن لديهم مخاوف جدية من انتهاك إسرائيل للقانون الدولي الإنساني في غزّة وطالبوا بوقف فوري للحرب وانهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين المحتلة. ورغم ذلك ولم يجري أدانه إسرائيل صراحة في المجلس بسبب معارضة أمريكا وحلفائها الذين حالوا دون ذلك وحالوا دون عقد جلسة خاصة للمجلس لمناقشة الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وعطلت إصدار المجلس لقرار واضح يدين حرب الإبادة الإسرائيلية وجرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي ويتخذ إجراءات بحق إسرائيل، لذا أصدر خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بيانا في 9-12-2023 طالبوا فية الأمم المتحدة ومجلس الأمن بوقف فوري للقتال وإغاثة الشعب الفلسطيني وأدانوا فيه إسرائيل لارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية وأيدوا مبادرة الأمين العام باستخدامه صلاحياته لمطالبة مجلس الأمن بوقف الحرب فورا.
وبسبب النتائج الكارثية التي لحقت بالشعب الفلسطيني والتي ترتبت على حرب الإبادة الصهيونية بالتعاون مع قوات الاحتلال البريطاني ودعم من القوى الاستعمارية الغربية وتواطؤ الأنظمة وصدور قرار التقسيم المشؤوم لفلسطين في مايو 1947 وما تبعه من حرب تطهير عرقي للفلسطينيين حتى الهدنة وقيام الكيان الصهيوني في نوفمبر 1948 وترتب عليه نزوح ما يزيد عن 750 ألف فلسطيني حينها (نصف شعب فلسطين) وتحولهم إلى لاجئين؛ حيث 70% من سكان غزّة لاجئين واستيلاء الصهاينة على 78% من فلسطين بما فيها معظم القدس، فقد ترتب على ذلك قرارات للأمم المتحدة لإغاثة ومساعدة الشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة والشتات.
ومن أهم ذلك قرار الأمم المتحدة في 1949 بإقامة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لتقديم الخدمات التعليمية والصحية والمعيشية للاجئين الفلسطينيين في فلسطين المحتلة والأردن ولبنان وسوريا وهذا يشمل بالطبع قطاع غزّة الأكثر ازدحاما وفقرا ونسبة لاجئين (2. 3 مليون على مساحة 360 كلم2).
كما تقدم وكالات الأمم المتحدة مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الغذاء العالمي وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونسف) المساعدات الإنسانية ومنظمة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات إنسانية أخرى مثل أطباء بلا حدود والمساعدة النروجية وغيرها مساعدات ودعم الشعب الفلسطيني بما في ذلك فلسطينيي قطاع غزّة.
لن نستعرض الاحتلال والحصار الإسرائيلي على غزّة لعقود ولا الحروب الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزّة وإعاقتها لأعمال الأمم المتحدة ووكالاتها واعتداءاتها على هذه الوكالات سابقا، ولكننا سنعرض باختصار استباحة إسرائيل للقانون الدولي ولحصانة وكالات الأمم المتحدة والعاملين فيها.
لقد أوضح الأمين العام للأمم المتحدة السيد جوتيرش ونائبه للشؤون الإنسانية السيد جريفن والسيد فيليب لازاريني مسؤول الاونروا الاعتداءات الإسرائيلية المتعمدة والوحشية التي استهدفت منشآت وتجهيزات الأونروا وباقي الوكالات والمنظمات والعاملين فيها وذهب ضحيتها مئات من العاملين فيها وعائلاتهم بما لا سابق له في الحروب المعاصرة.
كما شملت الاعتداءات مئات الآلاف من المهجرين من المواطنين الفلسطينين الذين لجاؤا إلى مدارس الأونروا؛ حيث استشهد الآلاف ودمرت جزئيا هذه المدارس وبعض المستشفيات والعيادات ومراكز الإسعاف التي تدعمها الأمم المتحدة. وفي النتيجة فقد تعطلت عمليا مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في قطاع غزّة ولا تمثل أعمال الإغاثة الحالية في ظل الحصار الشامل وحرب الإبادة إلا النذر اليسير لحاجة شعب غزّة؛ حيث لا مكان آمن والتدمير والقتل يتم بأرقام فلكية متزايدة والشعب كله بحاجة لإغاثة الأمم المتحدة والعالم.
هذه الجرائم وغيرها تحظى بتغطية أمريكا وحلفائها لإسرائيل وتبرير جرائمها بأن مقاتلي حماس مختلطون مع المواطنين وفي جميع المرافق من بيوت ومجمعات سكنية ومدارس ومستشفيات ومساجد وكنائس وغيرها وأن شبكة أنفاق حماس تقع تحت هذه المنشآت. وأقصى ما تطرحه أمريكا وحلفاؤها نصيحه إسرائيل بتقليل الخسائر في أوساط المدنيين. ونصيحة إسرائيل بالحد من استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، لكنها عارضت بقوة إدانة أعمال إسرائيل هذه واتخاذ إجراءات بحقها؛ سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو مجلس حقوق الإنسان.
من المواقف ذات المغزى وصف إسرائيل للأمين العام للأمم المتحدة السيد جوتيرش بأنه معادٍ للسامية والمطالبة بإقالته. كما إن إسرائيل منعت دخول كل من الأمين العام ونائبه جريفن ومسؤول الأونروا لازاريني غزّة ضمن (الأراضي الفلسطينية المحتلة) عبر معبر رفح الجانب المصري. كما ألغت جميع تأشيرات موظفي الأمم المتحدة من العاملين في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو تتطلب مهامهم زيارتها.
استغرق قبول نيابة المحكمة الجنائية الدولية سنوات لتشمل المحكمة باختصاصها فيما يرتكب من جرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في يونيو 2020 بقرار من المحكمة الفرعية المختصة في عهد مدعي المحكمة حينها القاضية فاتو بن سودا. وقد رفضت إسرائيل بشدة القرار وأعلنت عن عدم الاعتراف بالمحكمة وقراراتها وعدم التعاون معها. أما الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترمب فقد عاقبت المحكمة بإلغاء تأشيرات أعضاء مكتب الادعاء والمحكمة الخاصة، ووضعهم على اللائحة السوداء. بعد بضعة أشهر أضحى القاضي البريطاني كريم خان مدعي المحكمة ويبدو أنه استوعب الدرس الأمريكي.
طرحت قضية جرائم المسؤولين الإسرائيليين المتوجب التحقيق معهم ومقاضاتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية مجددًا، رغم مماطلة مدعي المحكمة كريم خان. ورغم ذلك فقد منعت إسرائيل كريم خان من دخول غزّة عبر معبر رفح. بعدها وجهت إسرائيل له الدعوة لزيارة فلسطين المحتلة، ورغم أنه حصر المتهمين بالجرائم التي ارتكبتها حماس والمستوطنين ومستبعدا المسؤولين الإسرائيليين، فإن توجه المئات من المنظمات والشخصيات الحقوقية والقانونية العالمية للمحكمة وادعائها العام بدعاوى ضد الجناة الإسرائيلين، يطرح مجددًا جدية المحكمة وادعائها العام بالسير في التحقيق والمحاكمة للجناة الإسرائيليين وفي مقدمتهم مجرم الحرب نتنياهو.
فهل يجرؤ مدعي المحكمة كريم خان على إصدار مذكرة اعتقال بحقه، كما فعل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن؟ لا يبدو أن ذلك مُمكنًا.
هذه بعض الملاحظات على إحباط أمريكا وإسرائيل وحلفائهما للشرعية الدولية والمؤسسات الدولية وأهمها الأمم المتحدة ووكالاتها.