فوضاكم ليست خلَّاقَة.. بل أفَّاقة

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

لم يُلقوا بالاً ولم يخافوا، توجهت مجموعة من الرجال المؤمنين بالقضية إلى السياج الذي اصطنعه المحتل مباشرة وهشموه، قائلين لا نُريد نفاقًا ولا شعوذة، نريد حرية، والخروج من ظلم المحتل، فلا يوجد أي شيء بتاتًا في هذا المكان يخصكم، لدرجة أننا لا نستطيع التعايش معكم، صبرنا نفد، اخرجوا من فلسطين، فأزقتها المتعرجة سالت فيها دماء زكية، دخلت قطراتها بين حبات الرمل بفوضويتكم خارج أقنية سهولها الصغيرة، في كل عام، يلقى أطفالنا حتفهم عند لمسكم أسلاك حريتنا المبللة بقذارتكم أو الدَوْس عليها.

لهذه الفوضى التي أحدثتموها وروجتم لها لمئة عام، بقية من قذارتكم، تحجب جمال الحياة وبساطتها وشاعريتها، بترويجكم ألاعيب ماكرة، وواقعية مزيفة، كانت لها أصداء خبثكم وسحركم في نشر الرذيلة، والتفرقة بين أبناء الأمة الواحدة، وهو ما تجسد في وصفكم بأن للفوضى نشور، في حين أن للفوضى إفك وجحود وخراب.

ما إن انتهيتم من كذبكم وقتلكم للأنبياء، حتى أمسكتم بورقة الجحود وقلم الضلالة، ورحتم تكتبون ما لم ينزل فيه تنزيل، لقد انتهيتم للتو من قراءة إنجيلكم الذي كتبته أيديكم الملطخة بدماء البشرية، تبغون أن تحيوا فوضويتكم المجنونة، تفسدون بها الأرض وتسفكون الدماء.

لم يكن ما فعله رجال المقاومة في فلسطين سوى رد فعل على فوضويتكم وجرائمكم التي ترتكبونها، التي تمكنت من شق مسار الفطرة والصراط المستقيم على كوكب الأرض، فقد حفرت بشاعة أفعالكم، في سجل الشيطان الذي عصى ربه، إلى جانب من عرفتهم البشرية من عصاة طغوا وتكبروا وعاثوا في الأرض فسادا، كما جرى مع عاد وثمود وفرعون وقارون.

لا يتعلق الأمر بنرجسيتكم ومقدرتكم الفائقة على رسم الزيف فوق ملامح الحقيقة، ولا بحكاياتكم الكاذبة التي يختلط فيها سحركم بواقعكم الذي عرفكم به القرآن الكريم، التي تطلقون خلالها العنان لخيالكم المنحرف، فربما كان كل هذا المزيج قد أسهم في حدوث مصائب العصر، غير أنه من المؤكد أن استسلام العالم وتصديقه لحكاياتكم، التي يدرك من الأساس أنها تشع كذبا وبهتانا، هو الذي يثير الدهشة حقا، ويؤكد في الوقت نفسه قدرتكم على إقناعه بما لا يمكن أن يحدث في واقعنا المعاش.

اختار الرجال المؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية ذلك الأسلوب، الذي جمعوا فيه بين العقيدة الايمانية والتحرر من رتابة الحياة، من أجل ان يصلوا إلى الحقيقة الكامنة في التجربة الإنسانية، عبر موضوعات تدور في مجملها حول الحق والظلم، والعدالة والحرية، والغدر والحنان، والفطرة والانحراف، والفوضى والسكون، واستطاعوا أن يقدموا ملحمة إنسانية، تعد من بين بطولات الفطرة التي فطرنا الله عليها، وأن يكشفوا من خلالها تاريخ صناع الفوضى المبني على الجحود والنكران واختلاق الباطل واستلاب للحق، على مدى 100 عام، مجسدين- عبر "طوفان الأقصى"- العديد من المسائل الأساسية المتشابكة في تاريخ بني صهيون وأسلافهم، والتي تتعلق بتسلطهم، وفوقيتهم على البشر، وجحدهم مع ربهم وقتلهم لأنبياء الله، لتشكل علامة فارقة في المشهد العالمي، من خلال ما اتصفت به بطولة المقاومة الفلسطينية من متانة في العقيدة وإخلاص للقضية، وبراعة في اقتناص اللحظة، ورصد للواقع الدولي وتحولاته، في ملحمة تتداخل فيها الأماني الإنسانية بالواقع، وتنتقل من حلم مدينة غزة إلى قلق رجالها المؤمنين بعدالة قضيتهم.

عندما رأى هؤلاء المناضلون أن مدينة غزة محاصرة، ورأوا أن فلسطين تغتصب وجاع أهلها، ويقتل أطفالها، سألوا عن تلك الفوضى التي روجتم لها وزعمتم أنها خلاقة، فوجدوا الإجابة بأن فوضاكم ليست خلاقة بل أفاقة، وليس لها أي معنى على الإطلاق، غير أنكم خلقتموها من أوهامكم وحلمكم ذي الرنين الخارق للطبيعة.

ومثلما تطاولتم على الله وجادلتم أنبياءه ورسله، للحديث عن بقرة ولونها،  وتوالي أجيالكم لنشهد تلك المجادلات وذاك الجحود، "اخترعتم" جدلية أرض الميعاد لتكون دولة بني صهيون، لتجعلوا منها، هي الأخرى، مركزا وصورة لفوضويتكم الأبدية، فأغرقتم بسرديتها العالم لتفصحوا عن عوالم خاصة ابتدعتموها بأنفسكم ورسمتم خيوطها بأقلامكم، وبنيتم أسوارها وحصونها بزيفكم وكذبكم على الله قبل أن تكذبوا على الإنسانية، فأقمتم خيامكم الموعودة على أصوات أبواق الزيف والفوضى العالية، وسفك دماء الأبرياء، لتكون مسرح أحداث الفوضى التي أردتم أن تدنسوا بها الفطرة، بتطبيق أخاييل سحركم مع تفاصيل عالمكم الأسطوري المبني على تسويق الوهم، ودفع العالم إلى التعامل معه على اعتبار أنَّه حقيقة تجسدت يومًا ما على أرض الواقع.

تعليق عبر الفيس بوك