الحظ إذا جاء!

 

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

فئة من النَّاس لا ينتابهم الحزن وكأن هذا الشعور مفقود لديهم لا يعرف لهم طريقاً ولا يصل إلى نفوسهم، وهم المحظوظون في هذه الحياة بحظ وافر لايدركون مداه ولا يعرفون منتهاه.

أمورهم مرتبة وحياتهم تمضي بيسر ومسرة وسلام دون صدمات دنيوية قاسية أو مكدرات تجلب لهم الحزن. وترى الحظ معهم فلا يغادرهم أو يتخلى عنهم عاماً بعد عام. وقديما قالوا اعطني حظاً وارمني في البحر لأنهم كانوا يعرفون أن من لديه حظ سيأتي إليه حظه مسرعاً لانتشاله حتى ولو كان في وسط البحر مفقودًا.

وذاك الإعرابي الذي أدرك أن من لديه حظ لا يحتاج لشيء لأنَّ الحظ سيتكفل بإحضار أي شيء إليه حين يحتاجه؛ فدعا ربه أن يرزقه حظًا يخدمه به أصحاب العقول ولا يرزقه عقلا يخدم به أصحاب الحظوظ. وفضّل الحظ على العقل لأنه يعلم أن أصحاب العقول هم الذين سيكونون عقله إذا كان لديه حظ.

أصحاب العقول طالما نجدهم على أبواب المحظوظين ينتظرون الإذن بالدخول ولا تجد المحظوظين على أبواب أصحاب العقول.

والحظ هو الذي يتدخل بما يكون عليه الإنسان وأين يكون وما يحصل له ويحصل عليه بما يشاء الله من رزق قل أو كثر ضمن قوانين كونية وسنن ربانية غيبية لا نعلمها ضمن نطاق التدبير الإلهي. قال تعالى: " قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ"؛ فإما أن تتشكل حياة المرء بحظوظه الوفيرة التي يرزقها الله له بقدره المكتوب، والله يرزق من يشاء بغير حساب.

أو ذاك الذي يولد بحظ ضعيف عاثر لا يسعفه حين يحتاجه ليجد الحياة صعبة لا تسير وفق ما يريده ويتمناه. حتى لو أراد أبسط الأمور تتعرقل حياته بأشخاص يحولون دون تحقيق مبتغاه أو ظروف قاهرة تعيقه. وهناك فئة أصحاب الحظوظ المتوسطة الذين تصفو لهم الحياة أحيانًا، وأحيانا تتعرقل وتتكدر.

وإنما كيفما تبدو حظوظنا الآن حسنة أو سيئة، سعيدة أو مشؤومة. أو ما بين البينين؟!

والحمد لله على كل حال، فلا ينبغي أن ييأس من كانت حظوظه سيئة متعثرة، مغلقة الأبواب عليه أينما ذهب وحيثما اتجه تصيبه المكدرات والمنغصات.

وكذلك لا يجب أن تصيبه الغفلة والغرور والاستهتار والتكاسل عن السعي من كانت حظوظه مشرقة سعيدة.

الحظ قد يبتسم بعد عبوس أو يكشر أنيابه بعد ابتسام. ولا أحد يعرف ما الذي يخبئ له قدره من مفاجآت، ولا يعرف متى يتغير حظه إلى الأحسن أو الأسوأ. والإنسان معرض في هذه الحياة طالما هو على قيد الحياة. ولذا عليه أن لا يركن إلى الحظ فلا يتقاعس أو يقصر في السعي أو يضعف الهمة عن النشاط والحيوية؛ سواءً كانت حظوظه حسنة أو سيئة.

ولا يقول إنها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها على الرغم من أن ذلك صحيح ومسلم به، وهي بالفعل خطى كتبت علينا وقدرنا أن نمشيها، ولكن المرء لا يعرف ما هي الخطى المكتوبة عليه في صحيفة الغيب. ولذا لا بُد من بذل الجهود من أجل تحقيق الأفضل في الحياة على أمل تحقيقه في يوم ما بغض النظر عن الحظ؛ فاليأس والتشاؤم والضعف أمام الظروف لا يجلب إلا مزيداً من الإحباط والانهزام.

وما يدريك لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، فدعوةٌ لمن قست عليهم الظروف وأظلمت دنياهم لا تقسو على نفوسكم وارفعوها لتجد طريقها نحو حظ أوفر من النور والفرح، وذلك لا يتحقق إلّا بالسعي والعمل والاستمرار في التفاؤل بأن غدًا بإذن الله أجمل.