مكافحة التسوُّل

 

محمد بن حمد البادي **

mohd.albadi1@moe.om

 

 

التسول من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تسيء إلى الوجه الحضاري لأي بلد، ونحن في عُمان دولة تقوم على التكافل الاجتماعي وصلة الرحم والتَّعاون على البر والتقوى، بما وفرته من سبل العيش الكريم لكافة المواطنين والمقيمين على أرضها.

والتسوُّل من الظواهر الدخيلة على المجتمع العُماني المتمسك بعاداته وقيمه الأصيلة النابعة من مبادئ الشريعة الإسلامية، فمن يمارس هذه السلوكيات لا يملك أي نوع من الثقافة التي ترفع من قدر الإنسان، والتي يحافظ بها على كرامته وعزة نفسه من الهدر.

ولا تزال التعاليم الشرعية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تنهى عن التسول، فوجّه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام إلى الابتعاد عن التسول؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام لحكيم بن حزام رضي الله عنه يوم أن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه ثم سأله فأعطاه، ثم قال له : «يا حكيم، إنَّ هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يُبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العُليا خير من اليد السفلى «قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ- أي لا أسأل- أحدًا بعدك شيئًا، حتى أفارق الدنيا» وكان أبوبكر يدعو حكيماً ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إنَّ عمر دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبله، فقال عمر رضي الله عنه: يا معشر المسلمين، إني أعرض عليه حقه، الذي قسم الله له من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من النَّاس بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي، رحمه الله. وهكذا يتعين على المسلم أن يكون.

 واهتمامًا من وزارة التنمية الاجتماعية بالقضاء على ظاهرة التسول؛ فإنَّ الوزارة أصدرت العديد من القرارات والتشريعات؛ وقامت بدراسة الكثير من الحالات؛ وتعاونت مع جهات حكومية مختلفة (شرطة عمان السلطانية والادعاء العام)، مما كان له أثر إيجابي في انخفاض عدد المتسولين من العمانيين إلى أعداد بسيطة، ولكن تبقى مشكلة المتسولين من غير العمانيين فهم بأعداد كبيرة تظهر وتختفي تقل وتزيد، يجوبون الشوارع، ويتربصون بالناس أمام المساجد والجوامع ومحطات البترول والأسواق والأماكن العامة.

 تجدهم في بعض المحافظات أكثر وبعضها أقل مستغلين مشاعر النَّاس وعواطفهم، وربما بعضهم يستغل الأطفال في استجداء الناس، وأيضًا بعضهم يتسول بطريقة غير مباشرة كأن يعرض عليك تقديم خدمة مُعينة أو يبيع سلعة غير ذات فائدة، لا عمل لديه ولا وظيفة وربما دخل إلى السلطنة وأقام فيها بطريقة غير شرعية.

إن جهود وزارة التنمية الاجتماعية بالمتسولين العمانيين واضحة للعيان، فهي توليهم اهتمامًا بالغًا من خلال الحرص على تتبع أحوالهم المعيشية، ودراسة حالاتهم كلٌ على حدة؛ ومعرفة الدوافع الحقيقية للجوء الشخص منهم إلى التسول؛ ومن ثم معالجة أوضاع المستحقين منهم حسب النظم المعمول بها في الوزارة، أما غير المستحقين فتطبق عليهم القوانين واللوائح التي بموجبها ضمان عدم تكرار هذا السلوك السلبي.

أما المتسولون من غير العمانيين فإنَّ وزارة التنمية الاجتماعية تتعاون بشكل مستمر مع شرطة عمان السلطانية لتولّي مهمة متابعتهم والحد من نشاطاتهم في هذا المجال، ومراقبتهم بما يكفل السلامة للجميع، ولتطبيق القوانين والتشريعات الرادعة لهم.

كما صدرت عن الوزارة سابقًا قرارات وتشريعات تهدف إلى القضاء على هذه الظاهرة، فقد نصَّ القرار الوزاري رقم (21/2011) في مادته الثانية على أنه يحظر على أي شخص ممارسة التسول في الطرق العامة أو الأماكن أو المحلات العامة أو الخاصة، ويعتبر من أعمال التسول استجداء الناس صدقة أو إحساناً أو عرض سلعة تافهة أو ألعاباً استعراضية أو غير ذلك من الأعمال التي لا تصلح لأن تكون موردًا جديًا للعيش بذاتها.

وتضمنت المادة الثالثة من القرار ذاته توجيهًا بتشكيل فرق لمكافحة التسول في المحافظات بممثل عن وزارة التنمية الاجتماعية بدرجة مدير عام وبعضوية ممثلين عن شرطة عمان السلطانية ووزارة العمل ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار والبلدية المختصة.

أضف إلى ذلك أن وزارة التنمية الاجتماعية نشرت مؤخرًا قانون الجزاء العماني الجديد حول ظاهرة التسول والذي جاء فيه: يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة وبغرامة لا تقل عن 50 ريالا ولا تزيد عن 100 ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من وجد متسولاً في المساجد أو الطرق أو الأماكن العامة أو المحلات العامة أو الخاصة. ونصت المادة 299 على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 200 ريال ولا تزيد عن 600 ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من وجه دعوة تبرع أو جمع مال من الجمهور بأي وسيلة كانت دون ترخيص من الجهة المختصة.
إننا- وعبر هذا المقال- نناشد الجميع بضرورة التعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية والجهات المختصة الساعية إلى القضاء على ظاهرة التسول، سواءً كان هذا التعاون على المستوى الفردي أو المجتمعي أو المؤسسي.

ويجب علينا أن لا نتعاطف مع المتسولين، وأن نتعامل معهم بشكل أكثر صرامة، فأنت يا محب البذل والعطاء- رعاك الله- لا تملك أي خلفية عن هذا الشخص؟ وما وراءه؟ وكيف وصل إلى هذا المكان، ولماذا يتواجد في هذا الموقع؟ وربما له أهداف أخرى تضر بالمجتمع، أو أنه تابع لمنظمات خارجية لها أجندة تضر بالصالح العام للبلد.

يجب على شرطة عمان السلطانية التعامل مع هذه الفئة بحزم أكبر من خلال تخصيص فرق نشطة لمتابعة هذه الظاهرة، مع إيجاد آليات تضمن سرعة الاستجابة للبلاغات الواردة من المواطنين والمقيمين، ومن ثم تطبيق العقوبات الرادعة لهم والتي نصت عليها القوانين.

كما إن للفرق الخيرية ولجان الزكاة في الولايات دورًا محوريًا في التصدي لهذه الظاهرة من خلال تلمس حاجات الناس وإعانة من ألمت به الحاجة ليغنوه عن السؤال.

أضف إلى ذلك تكثيف التوعية في أوساط المجتمع إلى ضرورة توجيه أموال الصدقات وأموال الزكاة المفروضة للجان الزكاة أو الفرق الخيرية، وعدم صرفها بشكل عشوائي على المتسولين؛ الذين هم ربما أغنى الأغنياء عن الصدقات؛ فلجان الزكاة والفرق الخيرية يمتلكون معلومات مفصلة وقاعدة بيانات متكاملة عن جميع الأسر المستحقة للمساعدة في الولاية، يأخذون هذه الأموال من المزكين والمتصدقين لتصل إلى مستحقيها بشكل منظم وبطرق مدروسة مع مراعاة تحقيق العدالة في الأعطيات.

يجب علينا عدم قبول المتسولين قطعيًا، وتوجيه التبرعات والصدقات إلى مصارفها الشرعية عبر الجهات والهيئات الرسمية المعتمدة والمتخصصة في تقديم المساعدة والعون للمحتاجين، وفق ضوابط وآليات واضحة تحت إشراف رسمي.

** عضو في لجنة الزكاة بولاية صحم