علي الرئيسي **
توصلت 200 دولة اجتمعت في قمة المناخ "كوب 28" والتي عُقدت في دبي بالإمارات العربية المتحدة، خلال الجلسة العامة الختامية يوم الأربعاء الماضي، إلى اتفاق تاريخي بشأن التوجه نحو التخلي تدريجيًا عن استغلال الوقود الأحفوري، والمقصود هنا بالوقود الأحفوري النفط والغاز والفحم الحجري.
بينما اعتبر البعض- وخاصة الدول الأوروبية وأمريكا الذين خاضوا مناقشات مضنية لمدة أسبوعين مع الدول المصدرة للنفط بقيادة المملكة العربية السعودية- أن البيان والاتفاق خطوة مهمة، واعتبر آخرون- من ضمنهم مناصرون للبيئة والدول الجُزرية والتي تعاني بلدانها من ارتفاع منسوب مياه البحر- أن الاتفاق كان سيئًا ولا يذهب بعيدًا في التخلي عن الوقود الأحفوري.
بحسب العلماء، فإنَّ الوقود الأحفوري يُعد أكبر مساهم في تغيُّر المناخ العالمي؛ إذ يتسبب في أكثر من 75% من انبعاثات الغازات الدفيئة وحوالي 90% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وارتفعت الانبعاثات العالمية من 25 إلى 33 مليار طن متري سنويًا من ثاني أكسيد الكربون؛ وذلك خلال العقد الأول من القرن الحالي. حصة الصين السنوية من هذه الانبعاثات ارتفعت بنسبة 31 بالمائة. لذلك لتجنب آثار تغير المناخ، يجب خفض الانبعاثات بمقدار النصف تقريبًا بحلول عام 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050. ولتحقيق ذلك يدعو البيان الى التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري والاستثمار في مصادر بديلة للطاقة تكون نظيفة ومستدامة.
ويتفق معظم العلماء على أن تغير المناخ هو ظاهرة مُثبتة علميًا، وأن هذه الظاهرة من صنع أنشطة البشر؛ مثل حرق الوقود الأحفوري والتصحُّر. وتعتمد أدلة تغير المناخ بشكل شامل على مجموعة واسعة من المصادر؛ بما في ذلك سجلات درجات الحرارة، وانكماش الجليد والتغيرات العنيفة في أنماط الطقس، والغرق التدريجي لبعض الجزر.
الآن أصبح هناك شبه إجماع على مسألة تغير المناخ، رغم الاختلافات في كيفية التصدي لهذه الظاهرة ومن هو المسؤول عن التلوث، لذلك اعتقد أن علينا التفكير، والعمل بجدية كدول ريعية تعتمد في مصادر دخلها على الوقود الأحفوري؛ حيث يشكل بالنسبة لبلد مثل سلطنة عمان حوالي 80% من إيرادات الحكومة، و60% من دخل الصادرات و40% من الناتج المحلي الإجمالي. واذا ما تم الاستغناء عن النفط من الدول المستوردة فإن الصادرات النفطية ستختفي، وستنخفض الإيرادات العامة، وبالتالي ستنخفض الموازنة العامة للدولة، كما إن احتمالات انخفاض وتذبذب سعر صرف العملة سيكون واردًا؛ نظرًا لانخفاض قيمة الصادرات، مما سيؤدي الى انخفاض الدخول الحقيقية للموظفين وأصحاب الدخول الثابتة، وستتفاقم البطالة وسيصاب الاستثمار بالشلل الكامل.
إن هذا السيناريو الكارثي يحثُنا ويفرض علينا أهمية وضرورة التحسب والعمل الجاد في إطار السعي إلى تنمية مستدامة، بحيث يُوظَّف جزء كبير من الإيرادات النفطية لتنويع الاقتصاد، وتنشيط القطاعات غير النفطية، والعمل بالسرعة المطلوبة لإنشاء البنية الأساسية للطاقة البديلة وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبالتالي عدم وضع اقتصاد البلد تحت رحمة سلعة ناضبة تحاول الدول الكبرى الاستغناء عنها. وهذا سيضاعف التحديات على المعنيين بالتنوع الاقتصادي.
** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية