محور الشر

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

كم هي عظيمة أمتنا العربية والإسلامية التي توحدت شعبيًا لأول مرَّة بمختلف مذاهبها ومدارسها الفقهية خلف المقاومة الباسلة في فلسطين المحتلة، إن اليوم أمة الإسلام على قلب رجل واحد لمواجهة محور الشر المتمثل في أمريكا وبريطانيا وربيبتهما إسرائيل التي وجدت لتحقيق مصالح الغرب الاستعمارية.

ولعل المقاطعة الشعبية الواسعة النطاق للبضائع الغربية بشكل عام، ودول محور الشر بشكل خاص أفضل وأجمل ما سطره الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج خلال الأسابيع الماضية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني المنكوب.

صحيح هناك بعض الحكومات العربية التي تساند وتقف مع إسرائيل سرًا وتعلن وقوفها مع قضية فلسطين جهرًا خوفًا من شعوبها التي تنتظر الظروف المواتية للتعبير عن مساندتها لقضية المسلمين الأولى وهي تحرير المسجد الأقصى والثأر لشهداء فلسطين من الأطفال والنساء الذين تم قتلهم بالطائرات والقنابل العنقودية الأمريكية والمعلومات الاستخباراتية التي جمعتها طائرات التجسس البريطانية. يجب أن يدرك الجميع أن مصائب العرب وتراجعهم بين الأمم سببه المباشر ظلم وعدوان حكومة لندن الاستعمارية التي اضطهدت العرب، منذ اتفاقية "سايكس- بيكو" المشؤومة التي تقاسمت فيها القوى الاستعمارية- بعد الحرب العالمية الأولى بإيحاء وتخطيط من الساسة الإنجليز- الوطن العربي بين فرنسا وبريطانيا ثم دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على الخط لتأخذ قسمتها من الكعكة أو البقرة الحلوب التي تتمثل في خيرات العرب خاصة النفط والغاز، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت تلك الموارد منذ ذلك الوقت رهينة في يدي الأجانب، بينما يعيش أصحاب الحق على الكفاف وفقر مدقع في أوطانهم.

خلال العقود الماضية تبيع هذه الدول الغربية وهم الحماية للأنظمة الحاكمة من المخاطر الخارجية المزعومة، فلم تكتفِ بريطانيا بتجزأة بلاد العرب إلى دويلات ضعيفة وأنظمة استبدادية متعاونة معها؛ بل زرعت الكيان الصهيوني المعروف بدولة إسرائيل في قلب الوطن العربي. وبين وقت وآخر تكشف لنا وثائق الأرشيف البريطانية المفرج عنها خيانات الأنظمة العربية الذين هم في الأساس من صنع بريطانيا لكي تتسهل عليها مهمة استباحة الأمة والسيطرة عليها بلا رقيب أو حسيب.

وعلى الرغم من مرور عقود كثيرة بل وأكثر من قرن من الزمن على إذلال العرب وتقسيم أوطانهم ونهب الثروات من المستعمرين، إلّا أن التاريخ يعيد نفسه من جديد، ففي هذه الأيام التي تتعرض فيها غزة الصامدة لأكبر عدوان بربري في التاريخ الحديث، والمتمثل في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وخاصة النساء والأطفال الذين وصل عددهم إلى أكثر من 19 ألف شهيد، وكذلك بعد أن قطعت إسرائيل الماء والطعام والكهرباء عن أبناء غزة، ولم تتمكن شاحنات المساعدات من عبور معبر رفح إلّا بموافقة إسرائيلية، رغم أنه معبر مصري فلسطيني. هنا تدخل بريطانيا وأمريكا على الخط وترسل طائرتها الاستكشافية لجمع معلومات عسكرية وأمنية عن المقاومة الفلسطينية في القطاع، ثم تقدمها للجيش الإسرائيلي لكي يقوم بقتل مئات الآلاف من المدنيين كمرحلة أولى، ثم تهجير من نجا من تلك المحرقة إلى سيناء المصرية، حسبما يخططون.

لا شك أن كتائب عز الدين القسام تخوض معارك شرسة ضد الصهاينة المُعتدين الذين يتعرضون لهزائم غير مسبوقة في مختلف المواقع القتالية في شمال ووسط غزة ولكن هؤلاء المجاهدين يفتقدون للغطاء الجوي والدبابات والأساطيل البحرية؛ فلا يملكون إلّا إيمانهم بقضيتهم العادلة والأسلحة التي صنعوها بأنفسهم خلال سنوات الحصار الظالم، بينما تقوم الدول الغربية الإمبريالية بالمساندة العسكرية الكاملة لإسرائيل من خلال المال والسلاح والتجسس على الشعب الفلسطيني وإرسال حاملات الطائرات إلى شواطئ غزة لاستهداف المقاومة إذ فشل جيش الاحتلال بذلك.

من المفارقات العجيبة في هذا العالم القائم على المعايير المزدوجة والقوانين الظالمة، أن يدعو الأمين العام للأمم المتحدة، مجلسَ الأمن للانعقاد حسب المادة 99 من نظام المنظمة الدولية، بسبب تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر نتيجة لمذابح ومحارق غزة التي ترتكبها الحكومة الصهيونية المتطرفة بشكل ممنهج، ويوافق جميع أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر على وقف إطلاق النار في غزة؛ باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمت حق نقض "الفيتو" وبريطانيا التي لم تصوت معتمدة على إبطال أمريكا للشرعية الدولية.

لقد أصبح من الضروري، أن تتخذ الحكومات الإسلامية ومن بعدها الشعوب قرارات حقيقية توجع وتألم وتردع هذه الحكومات الإرهابية التي تمتص دماء الشعوب وتستبيح ثروات الأمم؛ فالغرب الاستعماري لا يعرف إلا لغة المصالح والقوة، فبيانات التنديد والكلام المكرر لا تجعلنا نكسب معركة أو ننتصر للذين ظلموا؛ بل يجب أن ننتقل من مرحلة الكلام إلى العمل والفعل الحقيقي، المتاح لنا جميعًا، ونقطع علاقتنا السياسية والاقتصادية بمحور الشر وذلك أضعف الإيمان؛ فحكومات الدول الثلاثة يعتبرها وينعتها كل أحرار العالم الشرفاء بـ"ثالوث الشر"، فلا فرق بين واشنطن ولندن وتل أبيب، فهؤلاء المجرمون- المُلطَّخة أياديهم بدماء الأبرياء- وجهان لعملة واحدة؛ هدفها الأول القضاء على الإسلام ومحاربة المسلمين أينما وجدوا.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري