بخٍ بخٍ.. أهل غزة لقد تجرأتم على الحياة

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

ما بين زمن يمضي وأزمان تلِيه، تُطوى صفحة من الماضي بحلوها ومرّها لتأتي صفحة أخرى لحاضر مَعيش وتوقّع لزمن قادم، وبموجب جدل البقاء فإنَّ معالم العالم لا تنفك تتجدد كل يوم وفق معايير التغيرات التي تحدث على مستوى العلاقات البشرية ومدى انسجامها أو تنافرها على جغرافيا الكون.

لكن، ثمَّة مراحل من الزمن تبقى متوارثة للأجيال نظرًا لما تتركه من أحداث، تلصق بتلابيب ذاكرة الأمة، وكلنا نعي أننا أمة مستهدفة، وعليها أن تفكك أثقالها والتحديات بهدف مواجهتها، وتنظيف الجروح والندوب الصدئة التي خلّفتها الأزمنة الماضية.

ومن يتزعم المقاومة أو يقودها في الحاضر كمن أمسك بمشرط الطبيب، فإما أن يقطع به الأورام والندوب، وتنظيف الجروح، أو أن يفشل ويلقى المريض حتفه، ومن معركة طوفان الأقصى سنعود إلى الخلف قليلاً ونُقلب سجل الأمة العربية والإسلامية ورقة ورقة لنصل إلى زمن المعايير المختلة، الشاهد فيه غزة التي ترفع مقاومتها مشرط الشفاء وهو "طوفان الأقصى"، في حين يظل المجموع الكلي لمقاومة الأمة يُساعد في تنظيف الجروح ومناولة المشرط لإزالة ورم خبيث زُرع "بيولوجيًا" في جسد الأمة العربية، عانت وتعاني منه الأمة الإسلامية منذ 100 عام.

ومنذ تلك الحقبة الزمنية تأثرت أُمّة المليار، فتجلّت معاني فداء المرابطين لفلسطين والذود عن القدس والأقصى وكل ما حوله، فمنهم من استشهد ومنهم من ينتظر يقاوم المعتدي بما يملك من عتاد، وآخرون يتصدون بمداد الأقلام شعرا ونثرا وقصصا وروايات ومذكرات لظلم ذوي القربى، لحرمة الأرض والعرض والدم المستباح، في مشهد مقاوم موحد تعبيرًا عن مُعاناة أهل الأرض من ظلم المحتل الغاصب وقمعه ووحشية جرائمه التي اقترفها ويقترفها من قتل وتدمير وإبادة كل ما يمت للإنسانية ولفلسطين بصلة، فبالمقاومة والدفاع عن الحق، والمطالبة بالعدالة وثّقت كتائب القسام وبقية القوى والجبهات مرحلة زمنية حاضرة بكل تشعباتها وحيثياتها مجتمعات الأمة حكوماتها وشعوبها، وسيتحدث الزمن عن هذا التوثيق، وسيبرز أهمية الدور الذي لعبته المقاومة في تشخيص داء الأمة.

أسهمت المقاومة في غزة التي ضمّت قيادات من جيل الانتفاضة الفلسطينية التي قاومت المحتل الغاشم بالحجارة، وساعدت في تشكيل عنصر أساسي ووحدت ساحات المقاومة في الأمة وكل فلسطين، بعد أن أخذت مقاومة غزة موقعها في النضال الفلسطيني وتحملت مسؤولية إفشال مخططات المحتل ومن يسانده، كانت سندًا لمقاومة الأمة وللذين حملوا السلاح في كل ميادين النضال، وأبلت بلاءً حسنًا، أظهرت من خلاله أنها الجناح الأصيل في معركة تحرير فلسطين، فلا يمكن لأحد أن ينكر دور مقاومة غزة عندما أخذت زمام المبادرة يوم السابع من أكتوبر، لتؤدي دورها النضالي ضد الظلم والطغيان.

وبعد أن زلزل طوفان الأقصى الكيان المحتل الغاصب، زادت وحشيته، فظهر زيف سرديته، وتكشف وهنه، عملت المقاومة على إبراز حقيقة هذا الكيان للعالم الحر، فأستشاط غيظًا وحقدًا فزمجر وتكبر ودمر من الجو والبحر والبر كل ما هو بشر وشجر وحجر، فتصدت له المقاومة وابتلعت رمال غزة آليات العدو وجنوده، وبفعل المقاومة هذا، قد بثت روح الفداء والذود عن الدين والأرض والعرض، فضمدت جراحًا كادت أن تتقيح في جسد الأمة، وهي في معركة طوفان الأقصى ضد المغتصب الغاشم، عازمة على اجتثاث هذا الداء البيولوجي من جذوره، فبخٍ.. بخٍ أهل غزة، لكم النصر والعزة.

تعليق عبر الفيس بوك