التطبيع وادعاءات تحقيق "السلام"

 

 

صالح البلوشي

 

ما بين اتفاقية أوسلو سنة 1993، وعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 والعدوان الصهيو-أمريكي على غزة العزة والصمود، مضت ثلاثون عامًا كاملة.

عُرفت هذه الاتفاقية- التي وُقِّعَت بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني- باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، لكنها فتحت الباب واسعًا للكيان الصهيوني للتغلغل في الدول العربية رسميًا، تحت مسمى "السلام"، وخلال الثلاثين عامًا لم تتقدم عملية السلام في الشرق الأوسط خطوة واحدة نحو الأمام؛ بل نرى أن العكس هو الذي يحدث؛ إذ يتم احتلال أراض جديدة، مع مواصلة قتل الفلسطينيين برعاية دولية، ومزيد من الغطرسة والإجرام الصهيوني. وفي ظل ذلك حاول الكيان الصهيوني أن يرسم لنفسه صورة جميلة في الشرق الأوسط، بأنه دولة تحب السلام ويسعى إلى الانفتاح على الشعوب العربية.

ولم تمض أيام قليلة على اتفاقية أوسلو حتى انطلقت بعدها حفلات التطبيع وتوافد المسؤولون الصهاينة لزيارة العواصم العربية وافتتاح مكاتب تجارية ومراكز أبحاث، وكأنَّ الذئب الذي ارتكب كل الجرائم المروعة بحق الفلسطينيين منذ أول يوم وطأ فيه أول صهيوني أرض فلسطين -مرورًا باحتلال أراضٍ عربية في مصر وسوريا والأردن سنة 1967 والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وقتل القيادات الفلسطينية اغتيالا في مختلف العواصم العربية والأوروبية- قد تحوَّل فجأة إلى حمل وديع بمجرد أن وقع إسحاق رابين رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق اتفاقية أوسلو والذي دفع حياته بعد ذلك ثمنًا على يد صهيوني متعصب اسمه إيجال عامير، ويمكن قراءة كتاب "دولة الإرهاب.. كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب" للباحث الأمريكي توماس سواريز، للتعمق أكثر في معرفة جرائم هذا الكيان وكيف تأسس.

ومنذ اتفاقية أوسلو ثم ما يسمى بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية"، تهافتت بعض الدول العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني تحت عناوين براقة مختلفة، مثل أن التطبيع من أجل مصلحة القضية الفلسطينية ودفع عملية "السلام" في المنطقة إلى الأمام، أو أن الغرض منه ممارسة الضغط السياسي على الكيان الصهيوني من أجل استرجاع الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني وتأسيس دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس الشريف، وغيرها من الشعارات السياسية المضللة التي لم تخف على الشعوب العربية التي رفضت التطبيع بكافة أشكاله وصوره، وأثبتت أنها تملك وعيًا سياسيًا وحسًّا وطنيًا وقوميًا، بحيث لا تنطلي عليها هذه الشعارات التي بدأت تتساقط سريعًا بعد العدوان الصهيوني الغاشم على أهلنا في غزة العزة والصمود؛ إذ لم نشهد أية مبادرة حقيقية من الدول العربية والإسلامية التي لديها علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني لوقف إطلاق النار أو حتى إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة كأضعف الإيمان، وإنما شهدنا العكس تمامًا؛ حيث أعلنت بعض الدول إدانتها الصريحة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وإعلان تعاطفها ومواساتها بعد قتل عدد من الصهاينة في عملية 7 أكتوبر.

إنَّ الهمجية الصهيونية في القتل والتدمير في عدوانها الغاشم على غزة والتواطؤ العالمي معها، تؤكد حقيقة أن هذا الكيان لا يوجد في قاموسه السياسي كلمة "السلام" أو مصطلح "التعايش" وإنما يعرف حقيقة واحدة فقط وهي الإجرام والتوسع، ولذلك ترفض الشعوب العربية كل شكل من أشكال التطبيع مع هذا الكيان الاستيطاني العنصري، ولقد قامت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالكشف عن المتصهينين العرب الذين باعوا دينهم وضمائرهم وأخلاقهم وأقلامهم للعدو الصهيوني، وللأسف فإن منهم أدباء معروفين من أجل عيون بعض الجوائز الأدبية والثقافية.

وفي ظل هذا الوعي المجتمعي العربي، يجب أن تتوسع عمليات المقاطعة لتشمل مقاطعة الكيان سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا ورياضيًا وفي جميع المجالات دون استثناء، ومقاطعة كل من يتعامل مع هذا الكيان.