محمد رامس الرواس
المستقبل الاقتصادي لدول الخليج أصبح اليوم على المحك، والشراكة الخليجية - الخليجية مطلب وحاجة ملحة وليست ترفاً في ظل الوضع الراهن للمنطقة، لقد حان الوقت لوضع الملف الاقتصادي في مقدمة الاهتمامات ليقود القاطرة الاقتصادية لكي تجتمع دول الخليج وتنشئ مزيدا من المشاريع المتكاملة ذات رؤية اقتصادية مشتركة وبهيكلة موحدة سواء للنظم المالية أو التشريعات الاقتصادية، وحبذا لو تم إضافة العراق واليمن ضمن هذا التكتل ليصبح التنوع أكبر وأشمل وأقوى.
إن تميز دول الخليج العربي بموقعها الاستراتيجي العالمي في قلب العالم وما تمتلكه من مخزون نفطي وموانئ بحرية وغاز بكميات احتياطية كبرى ووجود وفرة مالية ضخمة لم تستغل الاستغلال الأمثل خلال العقود الفائتة لاستثمارها في ربط مدن وعواصم دول المجلس بعضها ببعض لوجستيًا واقتصاديًا؛ برغم أن الاتفاقية الخليجية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الموقعة عام 2002م بمسقط والتي نصت على التقارب والتكامل الاقتصادي وضرورة قيام السوق الخليجية المشتركة والتي أكدت على المساواة في المعاملات والتنقل والإقامة والاستثمار.
نجد اليوم أنفسنا كدول خليجية في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالمية التي نتج عنها تحالفات جديدة ستغير شكل الاقتصاد العالمي القادم في أشد الحاجة لإقامة تكتل شرق أوسطي تنضم إليه العراق واليمن، إن ما ستواجه دول المنطقة العربية بشكل عام ودول الخليج العربي بشكل خاص من تحديات اقتصادية وسياسية كبرى في المستقبل القريب يتجاوز مفهوم التحديات لأنه سيصبح سيطرة خارجية، نعم إن الاستقرار الأمني مطلوب وبشدة، لكن يمكن تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي رغم سلبيات الوضع السياسي الراهن؛ حيث إن المخاطر لن تنتهي والأزمات لن تتوقف بالمنطقة وبالعالم ككل، وعليه إن لم يتحقق هذا التكامل الآن فمن الصعوبة تنفيذه غدًا حيث لا ضمانة لتوفر نفس إمكانيات اليوم غدًا .
إن دول مجلس التعاون- إضافة الى العراق واليمن مجتمعة- تمتلك مقومات متكاملة لبناء اقتصاد إقليمي كبير على أقل تقدير يقوم بأدوار فاعله لقيام اقتصاد له وزن وثقل ونفوذ بالشرق الأوسط، لذا فإن رسم وتنفيذ رؤية خليجية مشتركة حاليًا قد لا يكون متأخرًا كثيرًا، خاصة إذا وضعنا بالحسبان تنويع التركيبة الاقتصادية لدول الخليج وتوفير الظروف الاقتصادية المناسبة التي تساعد على استمرار مسيرة التكامل الاقتصادي التي بدأت بالفعل بين دول الخليج لكن ببطء شديد وباتفاقيات ثنائية .
وما يتطلبه هذا التكامل هو إنشاء شبكات طرق برية وبحرية وجوية تربط دول الخليج بعضها ببعض ولتقربها لوجستيًا لتصبح سوقًا واحدة تتحرك فيها البضائع والصناعات ويتنقل التجار ورجال الأعمال والوكالات التجارية والشركات بكل سهولة ويسر ويجد الجميع نفس التشريعات والقوانين مطابقة ومنسجمة بدول المجلس وهذه هي الرؤية الحقيقية التي يمكن للجميع تحقيق رؤيته الخاصة به بضمان أسواق متعددة ومشتركة .
والتركيز على إقامة معاملات بنكية وأسواق مالية تعمل بمنظومة واحدة، بينما صناعات الأمن الغذائي سواء السمكية أو الزراعية والحيوانية تخصص لها برامج في ظل رؤية خليجية واحدة سيقلل بلا شك حجم التحديات القادمة التي ستوجهها دول الخليج في الجوانب السياسية والاقتصادية والتكنولوجية خاصة السنوات الصعبة القريبة القادمة، لذا فإنَّ الإسراع في إيجاد منظومة ربط الأسواق الخليجية سيزيد من فرص الاستفادة المشتركة ويخلق التنوع ويقلل حجم التحديات .
ختامًا.. إنَّ وجود الفوائض المالية الحالية بدول مجلس التعاون الخليجي لابد وأن توجه للتعليم ومجالات الصحة والتقنية وتوطين الصناعات خاصة الغذائية والبتروكيماوية منها، والشراكة الخليجية متى ما اكتملت والتي بدأت معالمها تظهر وإن كانت على استحياء من خلال بعض المشاريع الخليجية المشتركة، إن وجود كيان خليجي مصدره تكتل اقتصادي سيكون له بصمة في القرارات الدولية ويستطيع أن يتفاعل مع المبادرات العالمية القادمة ومنها "الحزام والطريق" الصينية وغيرها من المبادرات الاقتصادية المستقبلية التي يتم الإعداد لها حاليًا من خلال التكتلات الاقتصادية العالمية المختلفة.