مشروع "موازنة 2024".. والاطمئنان الاجتماعي.

 

 

د. عبدالله باحجاج

يُمكننا أنْ نُطلق على "موازنة 2024" المقبلة أنَّها ستكون مفصلية من عدة نواح؛ أبرزها: كون العام 2024 سيشهد تطبيق منظومة الحماية الاجتماعية التي تتضمَّن مجموعة من الحقوق الاجتماعية لمساعدة أفراد المجتمع على مواجهة بعض التحديات الناجمة عن التحولات المالية وغلاء المعيشة، وكون هذا العام يمثل آخر سنوات خطة التوازن المالي "2020-2024"، وكونه كذلك سيشهد مناقشات وورش عمل وطنية متعددة الجهات الدستورية للخطة الخمسية الحادية عشرة؛ انطلاقا مما تحقق في الخطة الخمسية العاشرة "2021-2025"؛ وبالتالي فإن أمام كل الفاعلين الحكوميين والرسميين كمجلس عمان -بغرفتيه الدولة والشورى- استحقاقات زمنية ضاغطة عليهم الاستعداد لها من الآن.

ولو توقفنا عند ما تحقق حتى الآن خلال الخطتين "موازنة الدولة 2023 والخطة الخمسية العاشرة"، فسنجد أنه تمَّ إنجاز كيان مالي مستدام، وفي الوقت نفسه وضعتا البلاد على اعتبار اقتصاد مستقبلي قوي قوامه مصادر دخل غير ناضبة، تُشكل المصادر البديلة للنفط كالهيدروجين الأخضر الذي تطمح بلادنا من خلاله إلى أن تصبح مركزا إقليميا لتصديره خلال السنوات العشر المقبلة، وقد خصصت الحكومة المليارات للاستثمار فيه، وأبرمت عدة اتفاقيات دولية؛ مما يُبشر بمستقبل اقتصادي واعد لبلادنا.

 صحيح ستواجه بلادنا منافسة إقليمية، لكنها تتميز بموقعها الجيو إستراتيجي البعيد عن مناطق الصراعات والتوترات، وكذلك باستقرارها السياسي والاجتماعي، ومواقفها وعلاقاتها الدولية وعدم وجود معها خلافات إقليمية ودولية؛ مما يجعلها الدولة الأكثر جاذبية والدولة الأكثر ضمانة للتصدير المستدام؛ سواء وقت السلم أو الحرب أو التوترات الإقليمية والعالمية، وهذه عوامل مهمة لاتخاذ قرار الشراكات ومنظومة المصالح الدولية وديمومتها.

وذلك التلازم بين الكيانين المالي والاقتصادي قد نجح رغم أزمتيْ النفط وكورنا وضغوطاتهما الكبيرة، فكيف بها الآن وقد ودعنا الأزمتين بهذا النجاح الثنائي؛ مما يدفع بوزارتي المالية والاقتصاد إلى التفكير العميق الآن في الكيانين من حيث تعظيم إنجازاتهما المتلاحقة والتقييم المستمر، خاصة الكيان المالي من حيث انعكاساته الاجتماعية لبعض مساراته، ومن المؤكد أن هذا التفكير موجود، لكننا نشدد عليه هنا مساهمة منا في إثراء نقاشات هذه المرحلة التي تتصدرها الآن النقاشات الدستورية والقانونية لمشروع "موازنة 2024" بعد استضافة مجلس الشورى معالي وزير المالية في جلسة سرية مؤخرا.

ومتابعتنا للمناخات والمعطيات المالية والاقتصادية التي تُؤسِّس فيها هذه الموازنة يُمكننا أن نطلق عليها بأنها موازنة تعزيز الاطمئنان الاجتماعي، ولماذا نُعلي هنا من شأن الاطمئنان ونعظمه؟ لأن الاطمئنان من التأسيسات السيكولوجية مكوِّن الدولة الاجتماعي منذ انطلاقة نهضة مؤسسها الراحل -طيب الله ثراه- عام 1970، ولأن المكون من قوى الدولة الأساسية في كل الأوقات، نشهد ذلك في كل المناسبات الوطنية، وكذلك عندما تستدعي الحاجة استنهاض القوة الاجتماعية العمانية، مما يكون من البديهيات لورش عمل إعداد مشروع الموازنة الجديدة التفكير فيه بعمق بعد تجاوز الأزمتين، وبعد الاطمئنان المالي والاقتصادي -ولله الحمد.

وقد جاءت منظومة الحماية الاجتماعية في غايتها السياسية لتعزز من شأن المسار الاجتماعي، مما نجد هناك حاجة لاستكمال بناء منظومة الحماية الاجتماعية المؤجلة كمنحة الباحثين عن عمل مثلا، والتي تشكل أولوية لحقبة تعزيز الاطمئنان الاجتماعي المستدام. ومن هنا، فإن الطموحات الاجتماعية كبيرة في استدراك هذا التأجيل وتضمينها موازنة 2024.. وتفاؤلنا هنا نبنيه على عدة معطيات موضوعية أبرزها:

- التصريح المهم لمعالي الدكتور سعيد بن مُحمد الصقري وزير الاقتصاد الوطني، والذي قال فيه حرفيا: "نطمئن الجميع بأن مؤشرات تحسن الاقتصاد العماني ستنعكس عاجلا على مؤشرات دخل الفرد والقوة الشرائية". ومن هنا، نبني انطلاقة تعزيز الاطمئنان من عام 2024 كونها خطة قصيرة الأجل "سنة"، وتتناغم مع مفردتيْ "ونُطمئن"، و"عاجلا" التي وردت في تصريح معاليه.

وتصريح معاليه يذهب بالاطمئنان إلى مساحات عميقة وبعيدة اجتماعيا، وذلك من خلال منطوق ومضامين مفرداته، كالصفة العاجلة لانعكاس تحسن الاقتصاد، ومحدداته -أي الانعكاس- الواضحة، وهى على دخل الفرد والقوة الشرائية، ومن هنا نعلي من شأن تعزيز الاطمئنان الاجتماعي الذي لو ترافق مع منحة الباحثين عن عمل، فسيشكل نقلة نوعية وكمية لمرحلة ما بعد خطة التوازن المالي، ونجاح الجهود في تأسيس القوتين المالية والاقتصادية للنهضة المتجددة.

- تحقيق فوائض مالية متصاعدة لمالية الدولة خلال شهور العام 2023، وهى معلنة بصورة دورية وخلال شهور السنة 2023.

- الأداء المالي الجيد الذي تنشر أرقامه وزارة المالية بصورة دائمة عبر منشوراتها المتلاحقة، وتأتينا بصورة مستمرة من وزارة المالية.

لنقف هنا مع النقاشات الوطنية التي تجري لمشروع "موازنة 2024" بشأن منحة الباحثين بعد تأسيس الكيان المالي المستدام وآفاق قوة اقتصادنا الوطني، فاستحقاق المنحة الآن أولوية وطنية، وستكون بمثابة ضمانة لنجاح تجنب الكثير من التحديات الداخلية والخارجية لفئة الشباب، وقد تناولناها سابقا في عدة مقالات بشيء من الحدة والتي بسببها لم تصل للمعنيين بالأمر، والآن نطرحها بصوت هادئ في إطار الدعوة للتفكير في مجموعة تحديات إقليمية ودولية بأجندات لم تعد سرية، وهى معلومة بالضرورة، وقد تستغل هذه الأجندات حالات الفراغ التي قد تطول فترتها الزمنية حتى يحصل بعض الشباب على فرصته في العمل داخل بلاده، ويمكن استيعاب بندها المالي من خلال رفع سقف السعر المستهدف للنفط خلال موازنة 2024 الجديدة، كأن يكون ما بين 60-65 دولارًا للبرميل، وهذا سعر يعدُّ حَذِرًا في ضوء ارتفاع أسعار النفط ومستقبله، أي قابل لاستيعاب أسوأ الاحتمالات في سوق النفط، أو يمكن تأمين ولو جزء منه من خلال إيرادات الاستثمارات الحكومية الداخلية والخارجية الناجحة، فحجم المصالح الوطنية العامة لمنحة الباحثين متعددة.