واقع التفرقة بين النور والظلام في حديث نتنياهو

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

يا له من شيء يثلج الصدر، أحبابنا في غزة، أبطالنا ومجاهدينا، الصورة التي عكستموها في أسراكم أصبحت أيقونة يتداولها الجميع، يتداولها الغربيون بل وحتى الإسرائيليون أنفسهم، فهم لم ينسوا تلكم العجائز اللاتي تم إطلاق سراحهن لأسباب إنسانية، ولن ينسوا منظر العجوز التي صافحت يد أحد أبناء المقاومة ولن ينسوا تلويحة يديها وهي في السيارة التي تقلها لمقر سكناها في إسرائيل.

لن ينسى العالم تلك المرأة مع الطفلين وهي تتحدث بكل صراحة عن معاملتكم الطيبة، ولن ننسى نحن قبل بضعة أيام كيف أن أهالي الأسرى الذين تم إطلاقهم يعلقون رايات فلسطين في إسرائيل، حدثٌ عظيم وتغييرٌ مهم جدا يجب استغلاله، هل يمكن بطريقة أو بأخرى إيصال منشورات عن المقاومة وطبيعة القتال الذي تشنه إسرائيل بكراهية على الفلسطينيين في مقابل دفاعهم عن حقوق دامت 75 عامًا ذهبت أدراج الرياح، منشورات تعكس المعاناة وتستشرف المستقبل لإمكانية استقبال الشعب اليهودي (وليس الصهيوني) في فلسطين، وحث الآخرين للهجرة (تفريغ إسرائيل)، منشورات كتلك المنشورات التي تنزل من السماء للفلسطينيين في غزة تحثهم على الرحيل من بلادهم وجذورهم.

أو بث رسائل من هذا النوع في وسائل التواصل التي ستبلغ كل بيت في إسرائيل، ستصل وسيتمعن بها كثيرون، رسائل مدروسة توضع من قبل علماء نفس واجتماع يثخنون فيهم هزيمة الجيش لا محالة، رسائل تنخرهم من الداخل، تهزهم وتذيقهم شر أفعالهم المخزية طوال السنين، يذكرونهم بأحداث السابع من أكتوبر  الماضي.

في أحد خطاباته قال نتنياهو إنهم، أي دولة الاحتلال، "أهل النور"، والفلسطينيون (يقصد العرب أو المسلمين جميعًا) "أهل الظلام"، أما واقع أهل النور؛ فهم يقتّلون ويدمرون الحياة ويشيعون الظلام بقطع الكهرباء والماء والغذاء والأدوية وهدم البنية الأساسية من بيوت وطرق ومدارس ومساجد ومستشفيات ودور عِلْم وعمل، وأهل الظلام (كما وصفهم) يحاولون بعد زمن طويل مضى عاشوا به، وبما استطاعوا الدفاع عن أنفسهم للخروج من العتمة التي يفتعلها أهل النور طمعا في ملاقاة الحرية والنور.

هذا هو تعريف مبسط للظلام والنور الذي نراه، أما تعريفهم فليس له مصدر سوى التعالي وتعاليم بوهيمية مبعثها النبوءات التلمودية التي شكلت الذهنية والثقافة اليهودية الصهيونية، وهي مُحرَّفةٌ على أية حال.

ومع ذلك فقد أثبت أعضاء المقاومة في غزة أنهم أهل نور رغم الظلام الذي يُحاصَرون من خلاله، نرى ذلك جليا في طريقة تعاملهم الحضارية مع أسرى عدوهم، بينما من يطلقون على أنفسهم "أهل النور" هم في الحقيقة "أهل الظلام" ونرى ذلك في كل ما فعلوه وسيفعلونه بالبشر وبأسس الحياة ومن خلال الأسرى الفلسطينيين أيضا الذين أطلقوا صراحهم في عمليات تبادل الأسرى الأخيرة، حيث مصدر شرب أسرانا- كما ذكر أحدهم- من دورات المياه، إضافة إلى تعاملهم الوحشي، وغير الحضاري.

إن وجه المقارنة ظالم لا محالة، وسبل التعبير عنها أكبر من استيعابنا أو من التلفظ نحوها بعبارات هي أصلا لا يحملها قاموسنا الإسلامي، قاتمة كحياتهم، عابسة كوجوههم، مسودة كقلوبهم، متجهمة كصفاتهم، مظلمة كنظراتهم، كالحة كتعابيرهم، غامقة كحديثهم، مكفهرّة كروحهم، دامسة كلياليهم، وعصيبة كأفكارهم، بل لا تسعفني لغتي في وصف حالهم وسلوكهم هم أظلم من ذلك وأنكى حلكةً ووجوما.  

  في مقابل النور الذي يشع من أعضاء المقاومة كما رأيناه في تصرفاتهم، وفي آرائهم وفي إحصائياتهم، وفي تصويبهم، وفي صبرهم، وفي حسن ظنهم، وفي ألفاظهم، وفي عيونهم من خلال أبو عبيدة الذي يلخص لنا من هم، وما هو منبتهم.

ما فعلته المقاومة قلب الرأي العام الشعبي العالمي، صدق المبتغى جعل معظم الأحرار في العالم يتوقفون حول مسألة النأي بالنفس والشكر وعدم الجزع عند الموت والاستعداد له في سبيل القضية الأساسية، هذا الأمر جعل العقل الغربي يعمل بشكل إيجابي مع ما تقدمه دولة الاحتلال من شناعة لا مثيل لها، ومع ما تسوقه من أكاذيب باطلة تم كشفها للرأي العام.

وطبعا لا تقوم دولة الاحتلال بما يمليه عليها أي اتفاق، فهي لا تقيم حدا لعنجهيتها وتكبرها، بل لا بد لها من خرقه وتسويفه، وآخر ذلك كما قال أحد قياديي حماس أن إسرائيل ارتكبت بعض الخروقات في أول يوم للهدنة ثم في ثاني يوم أيضًا، وهكذا دواليك..، أما رد إسرائيل فكان تهديدا ووعيدا همجيا باستئناف العمليات البرية فيما لو لم تفرج المقاومة عن بقية الأسرى، ولم تلتفت لخروقاتها التي تمنع استمرار الاتفاق على النحو الذي يسجيه واقع الحال عند معبر رفح.

الحقيقة بين قطبي القضية، دولة الاحتلال وفلسطين الأبية، وبالتالي كل احتلال مصيره إلى مزابل التاريخ، عليه أن يتراجع اليوم قبل أن يعتمل الغضب في صدور الشعوب المقهورة فيحرق الأخضر واليابس، على العقول التي أرخت سدولها، وقوضت كل مسعى للتفاوض وحل الدولتين أن تفكر مليّاً من الآن وصاعدا في سبيل التخلص من الورطة التاريخية التي زرعوها فأهملوا تربيتها وطمسوا النور عن أعين أصحابها، هذه النبتة لن تعيش في هذا الظلام المحدق بها، وكيف للزرع أن ينتعش بدون شمس الوضوح والدفء والطمأنينة.  

كيف يمكن أن تبقى صامدة مع كل هذا الحق الواضح لأصحاب المكان؟، أصحاب التاريخ الحقيقيين، مع الفلسطينيين، وعدم نكران اليهود، اليهود الذين يعيشون هنا تحت حكم المسلمين منذ أمد بعيد، الدولة والحكم لأصحاب المقاومة وليس لما يسمى اسرائيل، هي نبتة بدأت في الذبول لأنها تروى بالدم فيرجع صداه عليها ظلما وعدوانا، ونورا ساطعا على فلسطين؛ فدماء الشهداء لن تذهب هباء، ولن ينسى أهلها كل تلك المذابح بدءا من عام 1937 وماقبله إلى اليوم، ستلاحقكم أرواحهم أينما ذهبتم، وستندمون أشد الندم.

كل أعضاء حكومتكم يُحاسبون على هزائمهم النكراء، بدءًا من بن حوريون مرورًا بليفي إشكول، وجولدا مائير، ورابين، وبيجن، ثم شامير وبيريز، وانتهاءً بباراك ونتنياهو، هذا شعور الواثق الذي لا يجد بُدًا من ذلك؛ فالواقع المرير لهذه الدولة سينكعس على كل شيء، ليتحول إلى دمار وهبوط حاد في مستوى الصورة التي كونتها الشعوب سابقا عن دولة الاحتلال الهمجي.

الحقيقة أن النور والظلام أمران مرهونان بالواقع هو يَسِير بهما ويُسيِّرْهما، هو اللوحة التي يرى من خلالها الناظر لمجرياته وتشكلاته، النور والظلام ليستا كلمتان للوصف المجرد إنما هي أفعال، وأفعالكم الواضحة للجميع لا نستذكر منها إلا العاقبة السيئة، وظلام في حقيقته لا في تخيلاته، قتل الأبرياء لا يوصل إلى "حماس" كما تعلمون جيدًا؛ الأمر هنا وسيلة ضغط لا أكثر، مع أنكم تدركون ما تعنيه الشهادة للمسلم لكن النفس الإنسانية لا تعنيكم، وعيش وحياة هؤلاء البشر لا تمثل سوى ثقلًا كئيبًا على قلوبكم، الشناعة والفظاعة القائمة على الفتك بالأبرياء ليس لها إلا عنوان واحد هو الظلام، ظلام القلب فلا ينبض للإنسانية، ظلام العين فلا ترى سوى الخراب، ظلام العقل فلا يفهم سوى لغة القتل والتدمير.

تعجبكم لغة التجسيد، لكنكم أخطأتم هذه المرة؛ بل وفي كل مرة، تجسيدكم كان من أجل الإيمان برسالة سيدنا موسى، ثم فشلتم رغم إيمانكم به لأنه لا يضمر الشر لأحد، ثم لم تستوعبوا التجريد في ديننا، كان كبيرًا على عقولكم التي أمعنت في الطلبات الموصلة لديكم للإيمان، الطلبات التي استمرأتم فيها حتى يومنا هذا ولن تفتح قلوبكم للنور مهما حاولتكم، الحل الوحيد هو استيعاب رسالة الدين الإسلامي فقط، ونقول لنتنياهو أنظر إلى الشباب الأمريكي الذي اعتنق الإسلام منذ بدء طوفان الأقصى، وإلى مجموعات الشباب منهم في وسائل التواصل التي بدأت في قراءة القرآن لتدارسه وفهم ما يتضمنه من آيات شاهدة لما يحدث في غزة، وأنظر إلى الأسرى المحررين ومدى امتنانهم لـ"حماس"، وحاول استيعاب أن هناك عيون ترى النور ليس كما تراه، وقلوب تنبض بالحق ليس كما ينبضه قلبك، ودموع ليس بها لبس على نور الحقيقة الذي دخل أفئدتهم.

تعليق عبر الفيس بوك