هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي متساوين؟

 

 

سعيد بن محمد الكلباني **

 

يُعد الذكاء الاصطناعي ذروة سنام التقدم التكنولوجي في وقتنا الحاضر بالنسبة لعامة المجتمع، وأصبح عنصرًا أساسيًا في الحياة اليومية والبيئة العملية سواء باستخدامنا المقصود الموجه له من دواخلنا أو كنتيجة لتقدم الآخرين وإدخاله في عناصر الحياة بهدف اختزال الجهد والوقت وإكساب الأعمال الجودة الفائقة والخروج بالإبداع الذي لا يضاهى.

يشهد العالم إذن تحولًا ثقافيًا ليست الكتب فرس رهانه كما كان سابقًا وإنما تحركه التقنيات التي اختزلت الكثير من النصوص في جملة أو صورة، واختصرت الكثير من النقرات في نقرة واحدة رافق ذلك تغيير في سلوكياتنا وأساليبنا وطرق تنفيذ أنشطتنا وحتمًا تأثرت أفكارنا ونظرتنا للواقع.

تكمن الإشكالية اليوم في مخاوف عامة الناس من إمكانية إقصائهم من وظائفهم نتيجة للدور أو الأدوار التي يلعبها الذكاء الاصطناعي في أتمتة المهام وتقليص الإجراءات والعمليات. كما أن هناك تساؤل هام جدا يبرز عن الجانب التفضيلي لفرد دون آخر في عملية توظيف هذا النوع الفائق الذكاء أو بمعنى آخر سبب نجاح البعض دون الآخر في نشاط ما رغم امتلاكهم جميعا لذات الأدوات التقنية والمستوى التعليمي المتماثل.

الحقيقة أن تلك المخاوف والتساؤلات لها ما يبررها ويدفع بها، إذ يشير موقع layoffs.fyi المهتم بمتابعة تسريح العمال إلى أن شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم سرحت حوالي 235639 في عام 2023م مقابل 164769 في العام 2022م.

السؤال إذن لماذا يتم تسريح بعض الأفراد في المؤسسات مقابل الاحتفاظ بالبعض الآخر رغم أنهم يقومون بنفس المهام؟

للسير نحو إجابة هذا السؤال. والسؤال المعنون لهذه المقالة، نتطرق لنتائج دراسة حديثة لديل أكوا وآخرين (Dell'Acqua et al., 2023) والتي يؤكدون فيها إلى أن الذكاء الاصطناعي يصنع الفرق بين الموظفين حيث تظهر نتائج دراستهم أن المستشارين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي أنجزوا مهام أكثر بنسبة 12.2% في المتوسط، وأكملوا المهام بسرعة أكبر بنسبة 25.1%، وحققوا نتائج ذات جودة أعلى بنسبة 40% من أولئك الذين لا يستخدمون الذكاء الاصطناعي وأدواته.

وبما أنَّ الأفراد يتمايزون نتيجة لخبراتهم وأفكارهم الإبداعية تسعى الشركات الكبرى وبشكل كبير وتعمل على استقطاب المبدعين والخبراء، حتى إذا استعصى الأمر عليها فإنها قد تشتري شركات صغيرة بأكملها بهدف الحصول على موظف واحد في هذه الشركة أو تلك. وهذا ما حدث فعلًا هذا العام عندما استحوذت شركة OpenAI على Global Illumination بهدف الحصول على خدمات Thomas Dimson العقل المبتكر والمساهم بالخبرات في تطوير Instagram وFacebook وYouTube وGoogle وغيرها.

يمكن القول إنَّ الأفراد مهما تساوت في أيديهم الأدوات والعوامل المساعدة على الإنتاج إلا أن هناك فوارق تصنعها الخبرة المعرفية والتطبيقية والمهارات التي تُنشئ الأفكار الإبداعية والمعتمد عليها في التمييز بين الأفراد عن بعضهم. فعلى سبيل المثال، في مجال التصميم ينادي الكثير من المعجبين والمنبهرين بالذكاء الاصطناعي بزوال وظيفة المصممين مع ظهور أدوات مثل Midjourney و Adobe Firefly و Microsoft Designer ، والملاحظ أن مجال التصميم أضحى أكثر قوة وتعقيدًا وأرقى مستوى، حيث تعمقت الأفكار وخرجت بمستوى مغاير عما سبق، وأنتجت أعمال إبداعية غير معهودة، وهذا ليس شاملًا لجميع المصممين وإنما محصور لفئة تمتلك الفكر الإبداعي والخبرة والمهارات التي تستطيع بها تطوير الإنتاج رغم أنه يمكن أن يكون بنفس الأدوات والظروف لدى الآخرين. يمكن القول إن القدرات العقلية والإبداع والخبرة وتعدد المهارات التي يمتلك الفرد تحقق له الفارق وتميزه. كما أن السعي المستمر نحو المعرفة وسبر المستحدثات في جميع جوانبها يعمق الفارق بين الأقران في المجال وترفع الساعي لمستوى يفوقهم درجة ودرجات.

وبشكل عام.. يمكن أن يرى البعض بمنطق نموذج تحيز الاختيار Selection bias أن الذكاء الاصطناعي هو من يقصي البشر، والحقيقة هي أن بعض البشر المميزين والمتصفين بالإبداع والتطوير المستمر تفضلهم الشركات وتبحث عنهم وتتمسك بهم، وهم بذلك من أقصوا نظراءهم وليس الذكاء الاصطناعي الأداة.

ختامًا.. نحن لسنا متساوين فكرًا قبل الذكاء الاصطناعي ولن نتساوى في وجود الذكاء الاصطناعي، ومسألة التساوي هي نتيجة البقاء في منطقة الراحة التي يخمل فيها البعض ويجمد ويسلم عقله للتقنية الحديثة. أما الوظائف فيخلقها البشر، ويتنافسون عليها بمهارات وأفكار وهؤلاء هم من يعول عليهم في فتح مجالات لوظائف جديدة في مستقبلنا القريب.

** أخصائي خدمات رقمية

تعليق عبر الفيس بوك