عبد الله العليان
عندما حدثت الإبادة الجماعية في فترة حكم الحزب النازي في ألمانيا الموحدة في أوائل القرن العشرين، قبل الحرب العالمية الثانية، تحركت الدوائر الصهيونية في الغرب الأوروبي وفي شرق أوروبا، لطرح ما فعلته النازية في اليهود، التي وقعت في بعض مناطق أوروبا الغربية بين عام 1933 وحتى 1945، أو ما كانت تسمى بـ"الهولوكوست"، وتعتمد في رؤيتها على معاداة السامية كما فسرها الصهاينة المؤسسون للحركة اليهودية.
كل ذلك كان من أجل الاستعطاف ومحاولة تجريم ما حدث لهم على أيدي النازيين القدامى في ألمانيا، باعتبار أن ما قاموا به ضد السامية، وهو ما وجد صدى عند بعض الدوائر الغربية، ومنها الدول الكبرى التي كانت لها حروب وصراعات مع ألمانيا، ومع الدول العثمانية في قرون مضت، مما جعل بعض هذه الدول تؤيد وتجرم هذا الفعل، وهو ما جعل بعض هذه الدول الغربية تشجع الحركة الصهيونية التي ترأسها تيودور هرتزل، كما أشرت إلى ذلك في قصة التأسيس من أجل إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
ولا شك أن هذا المخطط له أهدافه في هذا المخطط في إقامة هذا الوطن في هذه الأرض العربية، وأهمها المملكة المتحدة وفرنسا، لكن الأكثر سعيًا بقوة في هذا الجانب بريطانيا، ومن خلال وعد وزير خارجية بريطانيا، والمعروف بـ"وعد بلفور" في إقامة هذا الوطن القومي للصهاينة. ومما جاء في هذا الوعد بالنص: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل قصارى جهدها من أجل تسهيل تحقيق هذا الهدف".
هذا التحرك كان له أهداف سياسية وإستراتيجية بعيدة المدى، وليس فقط من أجل استعطاف الحركة الصهيونية؛ بل إنهم أرادوا أن يفصلوا الوطن العربي الجناح الآسيوي عن الجناح الإفريقي الشمالي، بعد أن تم إخلاء المنطقة من النفوذ التركي من منطقة الشرق الأوسط، بعد هزيمتها مع دول المحور في الحرب العالمية الأولى، مع احتلال مصر وأغلب دول المنطقة بين بريطانيا وفرنسا، وهما من أخرجا أيضا اتفاقية (سايكس/بيكو)، وهي الخطة التي وقعت عام 1916، بين فرنسا والمملكة المتحدة والإمبراطورية الروسية بنحو عام قبل الثورة البلشفية 1917، وتم كشف هذا المخطط السري من قبل روسيا، وكان لهذه الاتفاقية مخططها الأساسي وهو تقسيم المنطقة العربية، إلى عدة دويلات صغيرة بعد استعمار بعضها من قبل هذه الاتفاقية، وتم اقتسام منطقة الهلال الخصيب: (حوض نهري دجلة والفرات، والجزء الساحلي من بلاد الشام) بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، وحصل بعد التقاسم بين فرنسا وبريطانيا، وخرجت روسيا من الاتفاق بعد سقوط الإمبراطورية بعد كشفه، باعتباره مخططا إمبرياليا.
وبعدما تم تشجيع العصابات الصهيونية وتسليحها من قبل الدول الاستعمارية نفسها، والسيطرة على معظم أراضي عام 1948، وهو نتيجة لدعم هذه الدول الاستعمارية في دعم هذه العصابات المسلحة، في الوقت الذي كان الشعب الفلسطيني كان تحت الحماية بقوة عسكرية بريطانيا، بعد خروج الدولة العثمانية من فلسطين، وكل المناطق العربية، وسيطرة الدول الاستعمارية على المنطقة. وعندما قامت الدول العربية المحيطة وبعض الدول العربية القريبة من متطوعين في عام 1948 بشن حرب من أجل نجدة أهل فلسطين، لم تكن لديهم القدرة العسكرية الكافية لصد المحتلين، ولا الخطط العسكرية التي تمكنهم من المواجهة الحاسمة لهذه الحرب، في الوقت الذي كانت القوة الكبيرة والمهمة التي دخلت من المملكة المصرية آنذاك، اُكتشف أن الأسلحة التي أخذت من المخازن العسكرية في مصر، هي من القوات الانجليزية وربما رتبت لها، وظهرت أنها أسلحة فاسدة، وهو كشف عن ذلك في مقالاته في مجلة روز اليوسف الكاتب والروائي المصري المعروف إحسان عبدالقدوس- رحمه الله- وهذا ما برز أنه مخطط استعماري لإجهاض طرد المشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين؟
فماذا حدث بعد استيلاء المخطط الصهيوني على أراضي 1948؟
العنصرية الصهيونية أطلقت فكرة ما يسمى بـ(الترانسفير)، وهو التهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم بالقوة، وتحت تهديد السلاح من العصابات الصهيونية المؤيدة من بعض الدول الاستعمارية من أجل التوطين، وهي نظرة عنصرية للآخر، أو التقليل من إنسانيته، أو كما شبه ذلك وزير الدفاع الصهيوني الفلسطينيين بـ"حيوانات بشرية"!
وبعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، عادت هذه الفكرة العنصرية إلى الواجهة، في تكرار لما تبنته النازية الألمانية، أو ما يسمى بمحرقة اليهود من قبل إدوارد هتلر، فقد استعادته الصهيونية نفسها على شعب آخر في الإبادة الجماعية المتكررة، ليس فقط في غزة بعد السابع من أكتوبر من الشهر الماضي، بل إن الإبادة الجماعية، بدأت منذ ما بعد حرب عام 1948، كما حصل من إبادات لمدنيين من أطفال ونساء وشيوخ في دير ياسين، وصبرا وشاتيلا، وكفر قاسم، وقانا في لبنان، ومدرسة بحر البقر في مصر، وأخيرًا المذابح التي جرت في غزة بعد السابع من أكتوبر الماضي، وهم بعشرات الألوف. وشملت الإبادة الجماعية من النازيين الجدد المستشفيات والمدارس، وهذه بلا شك جرائم حرب بكل المقاييس القانونية والأخلاقية والإنسانية.
يذكر الدكتور عبد الوهاب المسيري في بعض مؤلفاته عن العنصرية الصهيونية، وارتباطها بالرؤية النازية في التوجه الإقصائي، مسألة حقيقية فيقول: إن "البعد المعرفي والحضاري لدراستي عن الصهيونية، وأشرت إلى ضرورة دراسة الظاهرة النازية بالطريقة نفسها بحيث يُنظر إلى كل من الصهيونية والنازية باعتبارهما جزءًا لا يتجزأ من الفكر الغربي والحضارة الغربية، ومن ثم لا يمكن دراستهما بمعزل عن التيارات الفكرية والحضارية الغربية المختلفة، وهو أن الدراسات الغربية في الموضوع قلما تتجاوز البُعد السياسي الاعتذاري، فهذه الدراسات أخفقت في أن تبين أن النازية لم تكن انحرافًا عن الحضارة الغربية، وإنما هي تيار أساسي فيها كالصهيونية تمامًا".
وللحديث بقية...