محمد بن رامس الرواس
الاحتشاد العالمي الذي يحصل اليوم من مظاهرات واحتجاجات تجتاح العالم خاصة بالولايات المتحدة والدول الغربية إنما هي وليد إيمان هذه الشعوب بعدالة القضية الفلسطينية وتعاطفها الإنساني بعيدًا عن "البروبوجاندا" وتأثير وسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية ببلدانها المنحازة وبشدة لطرح فكرة أن إسرائيل هي الضحية وأن المقاومة جماعات إرهابية وعلى رأسها كتائب القسام وأنهم هم الإرهابيون الذين يرتكبوا الجرائم وإن أهل غزة بالتحديد هم المعتدون في هذه الحرب القائمة.
لقد درجت هذه الآلة الإعلامية لتجيش كل قنواتها وإعلامييها وكتابها ليغرسوا هذه الصورة بالمتلقى لديهم، لكن وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها "التيك توك" و"الفيس بوك" وإكس (تويتر) وغيرها أظهرت عكس ذلك عبر ما تنقله من حقائق وصور ومقاطع بتواصل ثقافي عالمي بين الشعوب فانتفت هذه الافتراءات برغم ما فرضت عليها بلدانها من رقابة وحظر للمحتوى المؤيد للقضية الفلسطينية وأحداث غزة تحديداً، لقد أظهرت وسائل التواصل بالصوت والصورة ما يحصل في غزة من حصار وتجويع وتهجير وقتل للمدنيين من نساء وأطفال وكبار السن والعجزة وما يصاحبه من قصف للمستشفيات والمساجد والكنائس وبيوت الآمنيين فجسدت الحقائق.
أثر بارز وفعال لنشطاء التواصل الاجتماعي والجاليات العربية المقيمة بالغرب والولايات المتحدة والمنظمات الإنسانية في توصيل صورة الألم الذي تعانيه غزة للعالم بوسائل التواصل الاجتماعي جعلت الافتراءات السردية الإسرائيلية المهيمنة على جيل التسعينات وما قبل ذلك تتزعزع وتنهار أما الحقائق فالحقائق دائمًا عنيدة خاصة اليوم في ظل (السوشال ميديا العالمية).
لقد كانت فئة الشباب هم غالبية المشاركين في هذه الحشود والمظاهرات في عدد من المدن الكبرى بالولايات المتحدة والمدن الغربية مثل لندن وباريس والمدن الإسبانية، ولم يكن ليحصل ذلك إلا بسبب ما قامت به تكنولوجيا المعلومات من دمج لثقافات العالم فأوجدت مفاهيم واضحة للحقائق من خلال المعلومات المتاحة على الشبكة العالمية الإنترنت واستسقاء الأخبار من أكثر من مصدر، وحرية التفكير للحكم على الأمور.
لقد كان لوقع الصورة التي نشرتها الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ لها ولمجموعة من صديقاتها أكبر الأثر لمتابعيها حول العالم وهي تحمل لافتة كتب عليها (تضامن مع غزة) بينما حملت باقي صديقاتها لافتات معنونة (فلسطين حرة)، وغريتا ليست إلا مثالا لملايين الشباب الواعي الذي يمتلك كامل حريته في التعبير عن ما يريد في ظل تواصل عالمي جعل العالم كقرية واحدة بحق وحقيقة.
إن الفرق الآيديلوجي الموجود حاليًا بين جيل التسعينات من الأوروبيين والأمريكان، والذي كان يتأثر بالقنوات والخطب الرسمية في الحقب السابقة وجيل الشباب من أبنائهم الذي يمتلك وسائل التواصل الاجتماعي، قد رجَّح الكفة لصالح الحقيقة.