فاطمة الحارثية
الكثير من الأحداث تحصل في آن واحد، حتى بلغ بنا عيش الضجيج، وللأسف لن يعلق في الأذهان شيء، وسوف يمضي هذا العام مدونا في ذاكرة النسيان، إلا ما رحم التاريخ وعلق بين أخبار الذاكرة؛ فمن بعد الإغلاق العام بسبب الجائحة، وتأثيره الاقتصادي والإداري على دول العالم، خرج الناس يلهثون، متأثرين بالفترة القصيرة والبسيطة إذا ما قارناها بعمر ما اعتادوا عليه، بالفعل أشعر أنه مازال أثر الإغلاق ظاهرا ومربكاً إلى يومنا هذا.
لا أطلب من الوقت أن يُمهلنا فهذا مستحيل، غير أنه بيدنا احتواء الأحداث وتدبر الأمور لغرس أفضل وأكثر استدامة، حمى الأخبار والمنشورات باتت مُهلكة للمتلقي، لم يعد المرسل يُعطي المتلقي وقتا لهضم ما يقرأ أو يصله من أخبار، فبمجرد أن يكون مستغرقا في قراءة خبر، حتى يُغرد جهازه بتحديث في الغالب مغايرا أو مناقضا تماما لما قرأه للتو وأحيانا من نفس المصدر؛ لقد وصلنا مرحلة البحث عن سلامة المعلومة، قبل صحتها، فزخم المعلومات والأخبار بات يُمرضنا، والتناقض في ذات الحدث من معطيات لم يعد صحيًا، وأخشى أن نصل مرحلة نكران الآخر أو حتى بزوغ أمراض جديدة بسبب هذا الزخم غير الصحي؛ قديماً كان للخبر وقته ومصدره وأيضا مساحته، أما اليوم وما يحدث من ثورة غير صحية، هو تهديد حقيقي يذكرنا بدرس الراعي والذئب.
كان دور النقاد والمفسرين واضحا وكانوا معروفين لدى الجميع، اليوم أصبح الجميع ناقدا والجميع معلقا والجميع مفسرا ومحللا وغيرها، حتى ضاع الخبر الأساسي وسط كل هذه المعمعة والمتناقضات، هناك أصحاب الاختصاص ويجب على الجميع احترام ذلك، رأي المتعلم يختلف عن رأي المختص، وقد يكون جيدا، لكن لا يطمس رأي المختص الذي جمع العلم والخبرة في تلك الأمور، بالتالي ليس كل من أتى بتحليل سياسي أو خبر اقتصادي هو بالضرورة يُضيف قيمة للمواضيع، أو قادر على قراءة الأحداث (بالمقارنة التحليلية)، وهي إحدى الطرق المتبعة لدى أصحاب الخبرة؛ في المقابل نجد أن فوضى الرأي ليست صحية، خاصة أننا نراه وهو يتحول إلى صراعات وخلافات وفتن ليس لها أساس ولا داع؛ علمًا بأنه إذا التزم كل حسب مجاله، لعم التجانس والتكامل، وحظينا بالنمو والفهم والتطور وأصبحت الأمور أكثر سلاسة.
بطبيعتي لا أستطيع أن استغرق في المشكلات، لأنها مضيعة للوقت والجهد في المقابل، جُل وقتي وفكري يبحث عن الحلول لكل مشكلة بمجرد طرحها، أعلم أنَّ فهم عمق المشكلة نصف الحل، لكن اسمحوا لي أن أذكركم، أنه في معظم المشكلات عملية التحليل والتعمق قد تشد الباحث إلى حل المشكلة، مما قد يؤدي إلى أن يعلق بدل أن يجد المخرج والحل، لذلك ثمة حدود للتعمق والتحليل، فالزمن لم يعد يكفي للإسهاب في الحديث عن الأزمات والمشكلات؛ بل الأجدر استثمار الوقت في الحلول والتنفيذ؛ نعم، قد أتفق مع البعض أن مواكبة العصر ليس سهلا لأنه في فوضى العولمة، لكن كما أسلفت الذكر، ليلتزم كلا حسب اختصاصه، ورؤيته ولا يُلهي نفسه في ما ليس له به وعي ولا قيمة، ولا يتعمق ويُضيع جُل وقته فيما لا يُغنيه ولا ينفعه.
سمو...
الرقي، فعل وليس نعتا، أسلوب وليس صفة، حاجة إنسانية وليس زينة، لنتعلم أن كل فعل نقوم به أو قول يعود إلينا بطريقة أو أخرى، فلنلتزم بالرقي قولا وفعلا وفكرا، لنحيا بود.