◄ أدهم بن تركي: الاهتمام السامي بالاقتصاد الرقمي يخدم خطط وأهداف "التنويع" والنمو
◄ الوردي: جلالة السلطان يُولي حرصًا كبيرًا ومتابعة حثيثة لمختلف مناحي الحياة
◄ الشيذاني: النظرة الشمولية لقطاع الطاقة المتجددة تسهم في توسعة القاعدة الصناعية
الرؤية- مريم البادية
أجمع خبراء اقتصاديون على أن الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والذي تفضل بإلقائه بمناسبة افتتاح دور الانعقاد السّنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عمان، يُضيء معالم المسارات الاقتصادية المستقبلية، مشيرين إلى أن التحول الرقمي ومواصلة تعزيز التنويع الاقتصادي وتوظيف التقنيات الحديثة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، تندرج ضمن قائمة الأولويات الوطنية الاقتصادية خلال المرحلة المُقبلة من مسيرة النهضة المتجددة.
وقال صاحب السمو السيد الدكتور أدهم بن تركي آل سعيد أستاذ مساعد في الاقتصاد بجامعة السلطان قابوس إن الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- تضمن ركائز ومضامين جمعت بين الجوانب التشريعية والنظام الأساسي للدولة، والتوجهات الاقتصادية ومساعي تنفيذ رؤية "عُمان 2040"، مع التعريج على التعليم والصحة وغيرها من القطاعات الفاعلة في مسيرة التنمية.
وأضاف سُّموه أن الخطاب السامي اشتمل على عدد من الجوانب وارتياح جلالته لما تم إنجازه خلال الفترة الماضية من دورة مجلس عُمان والتطورات الأخيرة التي قامت بها السلطنة في مجال تدعيم الموازنة العامة للدولة، والتوازن المالي والجوانب الاجتماعية وإطلاق منظومة الحماية الاجتماعية، وتطوير عدد من الجوانب الاقتصادية والاستمرار في مسيرة تنويع مصادر الدخل والتنويع الاقتصادي. وأشار إلى أن جلالته- أيده الله- تفضل وذكر الاهتمام باللامركزية، وإدارة المحافظات والمجالس البلدية، وتحفيز جلالته لهذه المجالس للعمل بصورة أفضل، وكذلك مجلس عُمان بالأخذ بالمساحات الواسعة التي طرحها القانون للعمل الوطني والتشابك بين هذه المجالس في مختلف أدوارها.
الاقتصاد الرقمي
وأضاف سُّموه أن جلالته ربط في خطابه السامي بين الاقتصاد الرقمي والإبداع والذكاء الاصطناعي وإطلاق البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي؛ لتكون ركائز رئيسية تعتمد عليها السلطنة في المرحلة المقبلة لتعزيز دور التكنولوجيا والتصنيع في تطوير الأعمال. وأوضح أن جلالته شدَّد على أهمية التركيز على المؤسسات التعليمية والبحثية لكونها معززةً لهذه الجوانب، من خلال التعريف بهذه الأدوات التكنولوجية وكيفية استخدامها بشكل أخلاقي ومهني، والاستفادة منها. ويمضي سموه قائلًا إن ذكر المناهج والنمو الاقتصادي في الخطاب السامي يترجم حرص جلالته على تطوير سوق العمل وكذلك القطاعات الإنتاجية والخدمية والسلعية؛ حيث ركّز الخطاب السامي على البحث العلمي كركيزة مهمة جدًا في التعامل مع المُعطيات الحالية والمستقبلية، واستخدام هذا التفكير في الابتكار والإبداع، من منطلق أن الابتكار والإبداع يواكبان حاجة النمو الاقتصادي.
وأشار سموه إلى أن التحول الرقمي الذي تنفذه الحكومة والقطاع الخاص وكذلك الأفراد، يعني تغيير طريقة تعاملنا مع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، فمن الضروري أن يكون الاقتصاد الرقمي موازيًا لما يحدث على أرض الواقع، باعتباره أداة مُمَكِّنة ويفتح فرصًا جديدة ويطرح منتجات جديدة قابلة للابتكار والتطوير والمنافسة، والاتساع خارج رقعة الوطن، لتقديم خدمات قادرة على المنافسة، وهو ما يسمح للتوسع والنمو الاقتصادي، وذلك لأن الاقتصاد الرقمي يعتمد كثيرًا على الخدمات.
مُنجزات ومُتغيرات
من جهته، قال المكرم الدكتور محمد الوردي الخبير الاقتصادي، إن الإشادة السامية بالإنجازات التي تحققت في عُمان على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والمالية، تعكس الحرص السامي على متابعة كافة المنجزات والمتغيرات في أنحاء البلاد. وأضاف الوردي- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- أن الخطاب السامي رسم معالم التوجهات المستقبلية التي ستسير عليها السلطنة خلال المرحلة المقبلة، وهي مواصلة جهود السلطنة لتنويع مصادر الدخل من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية، مما سيشكل عاملًا مهما لدرء أية إشكاليات مستقبلية أمام الدين العام، كما حصل في السابق، والتأكيد على شمولية التنمية في السلطنة؛ لتغطِّي كافة فئات المجتمع من خلال نظام الحماية الاجتماعية، والذي سيبدأ تطبيقه العام المقبل، لتوفير متطلبات العيش الكريم للمجتمع.
وأبرز الوردي الاهتمام السامي بمواصلة جهود إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة والتي انطلقت منذ عام 2020، والاستمرار في تقييم الأداء والعمل على تبسيط الإجراءات والقضاء على البيروقراطية؛ مما يُسهم في تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وأشار الوردي إلى تأكيد جلالته على حرص الدولة على اتباع سياسة التدرج في السياسات والقرارات، ومنها تنمية المحافظات، من خلال تعزيز اللامركزية، بحيث يتم تمكين المجتمع المحلي من إدارة شؤونه بطريقة مُتدرِّجة ومتوازية مع السياسات الحكومية العامة، والعمل على تمكين قطاع التعليم ومراكز البحث العلمي من خلال ربط المناهج بمتطلبات النمو الاقتصادي والتركيز على الابداع والتطوير والابتكار، وكذلك إعداد برنامج وطني لتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها وإعداد التشريعات لجعل هذه التقنية ممكنة ورافدة للاقتصاد الوطني لتعزيز وتمكين الاقتصاد الرقمي؛ باعتباره أحد قاطرات النمو الاقتصادي، وكذلك مواصلة الاهتمام بالطاقة المتجددة لتحقيق الحياد الصفري في عام 2050.
ولفت الوردي إلى جانب آخر تطرق إليه جلالة السلطان- أيده الله- والمتمثل في العمل على المحافظة على القيم الأصيلة للأسرة العُمانية؛ بما يتناسب مع السمت العُماني، وصونها من الأفكار الهدّامة الدخيلة على المجتمع.
وقال الوردي إن جلالته استفتح حديثه بالإنجازات المحققة على أرض السلطنة وخصوصا في الجانب الاقتصادي والمالي، لا سيما تقليل الدين العام؛ باعتباره هاجسًا مؤرقًا للجميع. وأوضح أن ارتفاع الدين العام خلال السنوات الماضية، تسبب في تخفيض التصنيف الائتماني لعُمان، لكن في المقابل، أولى جلالته هذا الملف عناية خاصة، ووجه الحكومة الرشيدة لمُعالجة التحديات الاقتصادية والمالية من خلال استحداث مبادرات الاستدامة المالية والتي تعمل على ترشيد الإنفاق وتحقيق فوائض مالية عامة للدولة من أجل استغلالها في خفض الدين العام. وقال إن هذه الإجراءات لاقت الإشادة السامية خاصة بعدما نجحت السلطنة في خفض الدين العام؛ حيث بلغ الدين العام في مطلع العام المنصرم قرابة 20.8 مليار ريال عُماني مُشكلًا 67% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن انخفض في الوقت الراهن إلى 16.3 مليار ريال عُماني وهو ما يمثل 37% من الناتج المحلي، ويقترب من مُستهدفات وزارة المالية بتحديد النسبة الآمنة للدين العام إلى الناتج المحلي.
إجراءات ناجعة
وأوضح أن هذا التطور اللافت تحقق بفضل الجهود الحثيثة التي بذلتها الحكومة، من خلال إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وزيادة كفاءته، عبر مبادرات متنوعة أسهمت في زيادة الإيرادات غير النفطية، إضافة إلى استغلال الطفرة النفطية والتي تولدت نتيجة الارتفاعات الكبيرة لأسعار النفط والغاز في العامين المنصرمين. ومضى الوردي قائلًا: "لقد أكد جلالته أن الفوائض التي تحققها السلطنة تُستَخدَم في 3 محاور رئيسية؛ أهمها: الدين العام باعتباره الشغل الشاغل، إضافة إلى دعم القطاعات الحكومية خصوصًا في مجالات التعليم والصحة وتطبيق نظام الحماية الاجتماعية الذي سينطلق في العام المقبل، وكذلك تحفيز النمو الاقتصادي؛ حيث إن الاقتصاد العُماني عانى الكثير، لا سيما أثناء وبعد جائحة كورونا. وذكر الوردي أن سلطنة عُمان تبنت العديد من المبادرات من ضمنها زيادة التوسع في الموازنة الإنمائية رغبة في تحسين النمو الاقتصادي.
وتابع الوردي قائلًا إن جلالته وجّه إلى ضرورة مواصلة العمل لتنويع مصادر الدخل من خلال العديد من الإجراءات، والتوسع في المصادر غير النفطية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في عدد من المجالات؛ وأهمها الطاقة المتجددة، مشيرًا إلى أن عُمان خلالا الفترة الماضية أحرزت قصب السبق في هذا الجانب، من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات مع شركات أجنبية؛ بهدف الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وتوليد الهيدروجين الأخضر.
مشروعات الطاقة المُتجددة
ومن جانبه، قال المهندس عبدالعزيز بن سعيد الشيذاني مدير عام شركة هيدروجين عُمان، رئيس مجلس إدارة شركة نماء لشراء الطاقة والمياه، إن تضمين الطاقة المتجددة في النطق السامي يحمل دلالة كبيرة على ما يوليه جلالته- رعاه الله- من اهتمام بهذا القطاع، ويبرهن على الأهمية الكبرى لهذا المورد المتجدد والمستدام، توظيفًا لما تزخر به سلطنة عُمان من موارد وإمكانات عالية تُعزز مساعيها لمواكبة التحولات العالمية فيما يتعلق بقضايا المناخ وأمن إمدادات الطاقة واستدامتها. وأضاف الشيذاني- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إن حكومة صاحب الجلالة تحرص على وضع السياسات الملائمة والنُظُم لإطلاق هذه الإمكانات وتوجيهها بما يُحقق مُستهدفات وأولويات رؤية "عُمان 2040" المتعلقة بالاستدامة البيئية والتنويع الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وخفض الاعتماد على موارد الطاقة الناضبة وما تتعرض له من تقلبات في أسعارها.
وتابع الشيذاني بالقول إن مضامين النطق السامي أكدت على النظرة الشمولية لهذا المورد بحيث لا يقتصر الأمر على توليد الطاقة المتجددة، وإنما توظيف هذا المورد في خلق فرص اقتصادية مصاحبة منها ما هو مرتبط بتوطين التقنيات المتعلقة به ومنها في تعزيز جهود توسعة قاعدة الصناعات المحلية، كون توفر مصادر الطاقة وتنافسيتها مرتكز أساس في تنافسية هذه الصناعات، كما أشارت إليه التوجيهات السامية في شأن تقديم الحوافز والتسهيلات اللازمة؛ حيث تستهدف رؤية "عُمان 2040" الوصول إلى مساهمة الطاقة المتجددة بنسبة 30% بحلول العام 2030، وتبذل القطاعات المختلفة جهودا متواصلة ومتضافرة لتحقيق ذلك. وذكر الشيذاني أن من أبرز هذه الجهود: التوقيع بداية العام الجاري على مشروعي منح 1 ومنح 2 بمحافظة الداخلية، واللذان يضيفان معًا سعة جديدة تقدر بـ1000 ميجاواط تضاف إلى المشاريع السابقة، مشيرًا إلى ما شهده قطاع الهيدروجين الأخضر في سلطنة عُمان من حراك نتج عنه التوقيع على اتفاقيات لتطوير 5 مشاريع لانتاج الهيدروجين الأخضر بسعة انتاج طاقة متجددة تقدر بنحو 18 ألف ميجا واط بحلول العام 2030.
وأكد الشيذاني أن العمل متواصل في التعاقد على سعات إضافية من طاقتي الشمس والرياح في السنوات المقبلة، وكذلك الحال بالنسبة لمشاريع الهيدروجين الأخضر، جنبًا إلى جنب مع مساعي الجهات المختلفة في استقطاب الصناعات للسلطنة استفادة من الفرص المصاحية لهذه المشاريع.