وجود إسرائيل أقوى من المصلحة

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

في بعض الأحيان نحاول تحقيق المنطق لتكتمل الصورة الذهنية لفعل أو ردة فعل لكن عند تطبيقها على واقع الصراع بين إسرائيل والعرب من جانب والعرب والغرب (أمريكي، أوروبي) من جانب آخر نجد أن مصالح الغرب تطغى بشكل كبير لصالح العرب بينما هي مكلفة من الجانب الإسرائيلي، لذا فالتماهي الغربي مع إسرائيل- من ناحية منطقية- غير سوي ولا يستند إلى منطق المصلحة، بينما هو أقرب إلى الأيديولوجية أي الاعتناق المذهبي والفكري لما يسمى إسرائيل، وأي شيء يخدش هذا الفكر أو المذهب فإنَّه هالك لا محالة.

هذه رواية، لكن هناك رواية أخرى يسطرها المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري صاحب موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية"، هذه الرواية أكثر تداولاً، وهي منطقية أكثر من وجهة نظري، ذلك أنه قسّم اليهود إلى الفاشلين اجتماعيًا، والساخطين دينيًا، والمجرمين، بحيث تم تصديرهم إلى الشمال الأمريكي بقتل السكان الأصليين (الهنود الحمر)، وإلى جنوب أفريقيا، وإلى أستراليا وإلى فلسطين، هي جيوب استيطانية أُسست بسبب المشاكل التي ضجت بها أوروبا كالبطالة والفقر والجريمة والإحباط الاجتماعي وتفاقم المسألة اليهودية هناك .

ونستنتج من هذا مقدار التمسك الأوروبي والأمريكي بالوجود الصهيوني على أرض فلسطين، وتصديق أي تلفيق من قبل الصهاينة يعكس ذلك، ولو ثارت جموع الناس في جنوب أفريقيا ضد البيض لوقفت معهم نفس هذه الدول التي تقف اليوم ضد الفسطينيين، ولوقفت أيضاً ضد الشعب الأصلي في أستراليا.

والكثير من الساسة العرب يعلمون ذلك، ويعلمون أن تدخلهم الميداني سوف يجر وراءه تحريك الأساطيل المدججة بالأسلحة الفتاكة التي لا قبل لهم بها، وسوف تنهب الثروات وتسوى الأرض بما عليها، وربما نعذرهم إلى هذه الحدود، لذا تجدهم ينحون إلى السلم مهما كان الثمن.

نعم.. علينا المطالبة بما نريد من المجتمع الدولي، وهي مطالبات مشروعة، بل هي أمنيات؛ فالطرف الآخر لا يحملها محمل الجد ويعلن صراحة أن حماس ارتكبت فعلا فظيعا حينما فكر مقاتلوها خوض هذه الحرب.

أغلب الدول الغربية التي تمتلك الترسانة العسكرية الأقوى في العالم تدين تصرف حماس، وتقف بالمال والعتاد مع إسرائيل، ورغم أن الأمر ليس بغريب إلا أن دولنا ما زالت تناور المجتمع الدولي، وكأن من حق هذا المجتمع أن يأخذ أي بيت يعجبه في أي بقعة في العالم ليقيم فيه ثم يأتي صاحب المنزل ليجد الغرباء في منزله، بالطبع عليه تركهم وشأنهم ثم يحاول البحث عن ذويه، وهذا منطق الغاب وليس التحضر، الغابة تعمل بنفس الطريقة والبقاء للأقوى.

كيف على العالم المتحضر مواجهة هذا الأمر؟ وكيف علينا دخول هذه الحرب الوجودية دون إراقة قطرة دم واحدة؟ الحقيقة أن فرصتنا عن طريق الآلة الإعلامية، علينا استغلال علاقاتنا السلمية مع الدول الغربية على الأقل في إنشاء ودعم أصوات إعلامية (تلفزيون، إذاعات، صحافة) إلكترونية وبلغات مختلفة نعرّف فيها بثقافتنا وننشر موضوعاتها عبر هواتفنا التي تجوب العالم، نكسب ثقة المشاهد؛ فالمجتمعات بشكل عام مسالمة تجنح إلى العيش السليم دون منغصات وحوادث، ومن ثم تعكس أخبارنا واقع الحال لأنَّ الفرد الغربي مغيب عن أخبار العالم، وحتى لو تم التحكم بالمنصات مثل يوتيوب وإكس وفيسبوك وغيرها أو تحجيمها، يمكن إيجاد منصات أخرى أو تبني ذلك مع دول عربية أخرى.

حينما نسمع عن الدعوة الإسلامية الأولى (أيام رسولنا الكريم) وكيف وصلوا إلى أصقاع الأرض نستغرب ذلك؛ فالرحلة ربما تستغرق أكثر من شهر أو شهرين، ومع هذه الصعوبات وغيرها وصلت الرسالة والمسلمون الآن في كافة أصقاع الأرض، علينا واجب الدعوة بأخلاقنا الحقيقية، وبتراثنا وقيمنا، أما الأدوات فهي متوفرة أكثر عن ذي قبل، وستبقى علاقتنا مع الغرب قائمة على أساس الاحترام كما يريدون وكما هو قائم (باعتقادنا)، وحديثهم عنَّا وعن إرهابنا لن يسكت فعلنا أو لم نفعل، لذا فالخير في نشر الثقافة الإسلامية، نشر ثقافة الرسول الكريم صلَّ الله عليه، نشر ثقافة التحضر الحقيقي.

ذكر في تراثنا أن الرسول دعا ربه لرفد المجتمع المسلم وتدعيم أركانه بأحد العُمرين (عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام المكنى بأبي جهل) فاستجاب الله لدعائه؛ فكان الفاروق عمر بن الخطاب، ومن هنا يمكن لعلماء هذه الأمة توخي الإيجابية بالدعاء لضم أحد القطبين في هذا العالم ليكون رافدا وقوة تُعين المسلمين على العدو ودحره عن المقدسات وعن أرواحنا وحرماتنا، بدل اللعن والشتم دعوا دعواتنا إيجابية على الأقل في جزء منها.

القوة هي التي ستبطل أعمال الغاب وسيكون التحضر هو السائد، مصداقاً لقوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، لعل مجابهة القوة بقوة أخرى سبيل لإنهاء الضرر (وهو كذلك في الحقيقة) وسيكون للمفاوضات جدواها إلى أن يحين الأمر بتحلل الكيان الصهيوني ورجوع الدولة الفلسطينية.

تعليق عبر الفيس بوك