هفوات الانتداب.. وسقطات هرتزل الحمقاء

 

حمد الناصري

 

كثيرا ما نقرأ عبارات خوف الوقوف العربي، مثل "نؤكد وقوفنا على الحياد" و"يجب حلّ الخلاف على أرض فلسطين"؛ فالعربي الداعم مُتذبذب يخشى التصريح عن موقفه؛ بل وينأى بحياده، إلى وجود طرفين مُتخاصمين، وكلمة "حلّ" و"نُؤكد على المساعي الدولية"، أو عبارات رسمية، كضبط النفس من الجانبين، ووقف التصعيد من الجانبين، وما يزيدك قهرًا، ذلك الذي يقول "ندعو إلى حماية المدنيين من الطرفين أو الجانبين".

وليس بالغريب عن اليهود المُتصهينين ومُراوغاتهم المُتمثلة في معاداتهم الحق الفلسطيني، ينتقي كلماته ويُظهر رغبته في الحياد والحل الأمثل لكنه يغمط الحقوق التاريخية للشعب العربي على أرضه.

اطلعت على خريطة لإسرائيل الكبرى أو ما يُعرف بالكتاب المقدس أو مملكة داوود، وتشير إلى أن أرض إسرائيل الكبرى، أو مملكة داوود، إنّ الله أقام عهدًا مع إبراهيم.. نقرأ في (إصحاح 18) "في ذلك اليوم عقد الله ميثاقًا مع إبرام قائلاً سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى نهر الكبير، نهر الفرات".

وبذلك فإنَّ مملكة داوود المُعرفة بأرض إسرائيل الكبرى تشمل حدود أرض إسرائيل كل الأراضي المحتلة عام 1948والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان.

ومن جغرافية الأرض الإسرائيلية الكبرى إلى جغرافية أرض إسرائيل الكاملة، وتشمل الأراضي التي منحها الرب، لنسل إبراهيم، كإسماعيل وعمران ويفشان ومدين.. وكل الاتفاقيات الإسرائيلية تعرف الآن باتفاقات أبراهام. كإشارة إلى المُحتوى التوراتي المُعرفة بجغرافية أرض إسرائيل.

ولو جئنا لتعريف النص التوراتي نجده يشمل كل الأراضي العربية، نقرأ في إصحاح 19 "أرض القينيين والقنزيين والقدمونيين" وفي 20 "والحثيين والفنزيين والرفائيين" وفي 20 "والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليوبسيين".

وتكون اليوم، كما هو معرف بإسرائيل الكبرى، بدءًا من الأراضي المحتلة، فلسطين، لبنان، سوريا، الأردن، العراق، بالإضافة إلى الأراضي الواقعة بين نهر الفرات ونهر النيل الكبير، الكويت، السعودية، الإمارات، عُمان، اليمن، وتركيا، والأراضي الواقعة على ضفة نهر النيل الشرقية. وهي الخرطوم وجنوب السودان والقاهرة وسيناء.

ذلك الحُلم الذي لا يكف عنه اليهود والصهاينة لقيام الدولة الإسرائيلية من الفرات إلى النيل، كمطلب لاستقرار اليهود المُشتتين في بقاع الأرض بلا وطن ولا هوية تُعرف بهم، كدولة عِبْرية لجعلها في الفكر الصهيوني مطلباً لابد أن يتحققّ، فقد شرعت الصهيونية وعلى رأسهم ثيودر هرتزل عام 1903م في إنشاء مستوطنة يهودية في سيناء لترسيخها كفكر استراتيجي أو كعقيدة صهيونية، وتحويل مياه النيل إلى أرض سيناء ثم إلى أرض النقبْ.

ولو عُدنا إلى فترة الانتداب فقد أوصت لجنة "بيل" بتقسيمات فلسطين المنتدبة مصرحًا في رسالته إلى ابنه ديفيد بن غوريون وكتب عن التقسيم بقوله "إنَّ هذه الحيازة المُتزايدة- يقصد بها الأرض الفلسطينية العربية- ليست بذات أهمية في حد ذاتها فحسب؛ بل لأنه من خلالها نزيد من قوتنا، وكل زيادة في القوة تُساعد في حيازة الأرض ككل، فإقامة الدولة- يقصد هنا الإسرائيلية- حتى لو كانت فقط على جزء من الأرض هي التعزيز الأقصى لقوتنا في الوقت الحالي ودفعة قوية لمساعينا التاريخية لتحرير البلد بأكمله".

ولاحقًا أعرب بن غوريون بنفس ما عبر به أبوه "بيل" الذي مثّل فيه بالاجتماع التنفيذي للوكالة اليهودية في يونيو 1938 كما أن حاييم وإيزمن، كما عبّر عن نفس الرأي كما فعل بن غوريون "سنحطم هذه الحدود التي تُفرض علينا وليس بالضرورة عن طريق الحرب. أعتقد أنه يُمكن التوصل إلى اتفاق بيننا وبين الدولة العربية- يقصد فلسطين- في مستقبل غير بعيد.

الخلاصة.. كيف لعربي التخلي عن مبدأ قوميته وعروبته وقضية فلسطين قضية وجودية بعيدًا عن الأخلاق والانحياز الظالم في حقنا العربي، فنصرة غزة واجب، تُفرضه ثورة طوفان الأقصى الذي باركه الله لنا ولسيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج. ونحن نجد الغرب جميعاً انحازوا للعدو الغاشم ونحن لم يكن لنا موقف يقودنا إلى هويتنا الثقافية أو ينحاز إلى قضيتنا الفلسطينية العربية أرضًا وتاريخًا.

فمتى ننتصر لقضيتنا الأولى العربية ومتى نخرج عن صمتنا ونُدافع عنها بكل ما أؤتينا من قوة ونُدرك أن الغاصب لأرض فلسطين مُعتدٍ غاشم، وأنها قضية تاريخية لا يُمكن المساس بمكوّنها أرضا وشعبًا، وعلى الظالم المعتد الكفّ عن هفوات التعايش والبُعد عن سقطات هرتزل الحَمقى.

تعليق عبر الفيس بوك