الشورى.. بين الآمال والصلاحيات

 

د. سالم بن عبدالله العامري

مجلس الشورى ثمرةٌ من ثمار النهضة المُباركة وهو مجلس منتخب من قبل الشعب، يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، ويضطلع بصلاحيات تشريعية ورقابية، وهو بلا شك مسؤولية وطنية ينبغي على كل فرد الحرص على المشاركة الفاعلة فيه ولا يجب بأي حال من الأحوال التقليل من هذا الدور، أو حرمان أي شخص من حق المشاركة في هذا الواجب الوطني أو إقصائه أو تهميشه؛ سواء كناخب أو مُرشَّح طالما لا تتعارض بياناته أو صفته الشخصية مع الضوابط والقوانين المنظمة لهذا الاستحقاق.

هذا ما أكده عليه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- خلال اجتماعه بمجلس الوزراء في 11 أكتوبر الجاري؛ حيث أكد جلالته على أهمية قيام المواطنين كافة بالمشاركة الجادة في الانتخابات، والحرص على اختيار الكفاءات التي يعول عليها للاستفادة من خبراتها. وبناءً عليه، فإنه يجب أن تمنح الحرية الكاملة للناخبين في اختيار ممثليهم في مجلس الشورى دون إكراه أو ضغط يؤثر سلبًا على تقدم وتطور مسيرة الشورى في وطننا. وبالرغم من وجود بعض المعايير التي لا زالت تحدد بشكل كبير اختيار المرشح لعضوية البرلمان أبرزها المعيار القبلي وغيرها من المصالح الاقتصادية أوالاجتماعية أو المناطقية، إلّا أن المأمول أن تتغير هذه النمطية وأن تستبدل في القريب العاجل بآليات ديمقراطية تتناسب ومتطلبات العصر الحديث وتواكب ثورة العلم والمعرفة وترفع درجة الوعي الاجتماعي بحيث يتم تقديم المصلحة العامة على المصالح الفردية، والارتقاء بهذا الإنجاز الوطني وتطويره بما يُحقق المصلحة الوطنية، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤثر أو يعرقل تقدم مسيرة الشورى أو يضر بالنسيج الاجتماعي للمجتمع العماني.

وفي السياق ذاته، يعلق الناخبون آمالًا وتطلعات على أولئك المُرشَّحين الذين سيتم اختيارهم في دورة برلمانية جديدة يتم انتخابهم مرة كل أربع سنوات ميلادية عن طريق الانتخاب الحر من جانب المواطنين لممثلي ولاياتهم، إذ يعّول الناخبون على عضو مجلس الشورى للقيام بالدور المؤمل منه وهو نقل آمال وتطلعات ناخبيه وتطوير وتحسين مستوى معيشتهم والعمل على تحسين أوضاع مجتمعهم، وحماية مقدرات وثروات الوطن والمساهمة في تقديم المقترحات والأفكار البناءة التي تسهم بلا شك في التطوير والنهوض بالتنمية الشاملة، خصوصًا في هذه المرحلة الراهنة التي تشهد صعوبات وتحديات على مستوى الفرد والدولة؛ أبرزها: انخفاض دخل الأفراد بشكل عام جراء الأزمات والمشكلات الاقتصادية التي أثرت على الحياة المعيشية للأفراد والمجتمع كغلاء المعيشة، وارتفاع معدل التضخم بسبب رفع الدعم عن الكهرباء والوقود، وفرض الضرائب على بعض السلع والخدمات، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتوقف المحفزات المالية ومنها تأخر الترقيات، وعدم زيادة الرواتب، إضافة إلى شح الوظائف، وتزايد أعداد الباحثين والمسرحين عن العمل، والمتقاعدين، وغيرها من المتطلبات التي يأمل الناخبون أن يتحقق القدر الأكبر منها في هذه الدورة البرلمانية الجديدة خصوصًا مع تعافي الاقتصاد تدريجيًا وانخفاض مديونية الدولة وتحقيق فائض في الميزانية خلال السنوات الحالية التي تخللها تطبيق خطة التوازن المالي التي تنتهي مع العام الأول للدورة البرلمانية الجديدة.

لكن الكثير من هذه الآمال المعقودة التي يعلق عليها الناخبون آمالهم سرعان ما تصطدم بصخرة الصلاحيات الممنوحة؛ فتتحطم مراكبهم وتجنح سفنهم لتغرق في بحرٍ لا يلبث أن يهدأ حتى تضطرب أمواجه من جديد لتزيد مع مرور الزمن من تفاقم وتراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق حركة التنمية والتطوير في مختلف المجالات، الأمر الذي يؤدي إلى الإخلال بتوازن العلاقة بين أطراف العملية الانتخابية، وفقدان ثقة المجتمع ببعض المؤسسات والقائمين عليها وضعف المشاركة المجتمعية التي اصبحت ضرورة عصرية لا يمكن الاستغناء عن دورها في تحسين وتطوير الاداء المؤسسي.

وفي ضوء تطور صلاحيات المجلس التشريعية والرقابية وتزايد مساحة اختصاصاته، ومنها المتعلقة بدراسة ومناقشة مشروعات القوانين التي تحال إلى المجلس لإقرارها أو تعديلها، ومشروعات خطط التنمية والميزانية العامة للدولة، ومشروعات الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعتزم الحكومة إبرامها أو الانضمام إليها، ومناقشة وزراء الخدمات باستعمال أدوات المتابعة المقررة مثل الاستجواب أو السؤال أو طلب الإحاطة أو المناقشة وغيرها من الأدوات المتاحة للمجلس، الأمر الذي يجعل الناخبين أمام مسؤولية كبيرة في اختيار أعضاء مؤهلين يتمتعون بقدرات وكفاءات تؤهلهم للقيام بأدوارهم، كما ينبغي لتحقيق آمالهم، كما تتعاظم المسؤولية أكبر على الأعضاء المنتخبين في توظيف وممارسة الصلاحيات الممنوحة لهم كما هو مأمول منهم، بل وانتزاعها من خلال استخدام أساليب وطرق برلمانية حديثة وفق ما يمنحه لهم النظام الأساسي للدولة والقوانين المنظمة لبرلمان مجلس عمان.

وعلى نحو مماثل، فإنَّ تقييد السلطة التشريعية، المتمثلة في تقييد صلاحيات أعضاء المجلس من قبل السلطة التنفيذية يفقد المجلس بلا شك الفاعلية والقوة اللازمة له والعكس صحيح؛ فكلما كان المجلس يمارس أدواره وأدواته الرقابية وفقًا لصلاحياته باستقلالية ودون تقييد أو توجيه، فإن ذلك سينعكس إيجابًا على قوة المجلس ومكانته وثقة المجتمع به، وهو ما تؤكده مبادئ الدولة العصرية التي تقرها الدستاير حول العالم، والتي تقوم على أساس فصل السلطات وفي نفس الوقت تكامل الأدوار والاختصاصات بينها.

وعليه.. فإنه ينبغي للسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية تنظيم العلاقة بينهما دون تقييد أو تضييق وتجنب أي صراعات قد تحول دون العمل على تكامل الأدوار أو عرقلة مسيرة الشورى وفق النهج المحدد له والمأمول منه، وهو خدمة الصالح العام وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين وتحقيق الأهداف الوطنية "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ".

تعليق عبر الفيس بوك