الذكاء الاصطناعي وجودة الحياة

 

مؤيد الزعبي **

انتشرت خلال السنوات العشر الماضية مفاهيم جديدة في تصميم المدن ومرافقها الحيوية من حدائق وشوارع وممرات مائية ومعاير أخرى معنية بسهولة الحركة والتنقل بالإضافة لتحقيق المعادلة الصعبة التي تم تسميتها "15 دقيقة" والمعنية بضمان وصول الأشخاص لمدارس أولادهم أو لمقر عملهم أو حتى لمراكز التسوق خلال 15 دقيقة؛ سواء عبر وسائل التنقل الخاصة والعامة.

ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن هذه المعادلة يصعب تحقيقها بدون دراسة دقيقة لجميع جوانب الحياة بما فيها الطاقة الاستيعابية للشوارع والأرصفة المخصصة للمشاة وللدراجات الهوائية، وليس هذا فقط؛ بل يراعي التخطيط الحضري للمدن ضمان جودة الهواء من خلال توسيع دقيقة ومدروس للحدائق وللمساحات الخضراء ومدى انتشار التقنيات الصديقة للبيئة، وأيضًا تركز مدن المستقبل على الاستخدام الأمثل للطاقة وللموارد الطبيعية، وكل هذا مرتبط ببعضه البعض ارتباطًا وثيقًا وكل مكون من هذه المكونات يؤثر بشكل مباشر على المكون الآخر فكيف سيتم الاستفادة من قدرة الذكاء الاصطناعي لتخطيط المدن وتحسين جودة الحياة.

في دراسة جديدة أجراها باحثون في جامعة تسينغهوا في الصين وضحت الدراسة كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يولد تخطيطات مكانية أكثر كفاءة من البشر، خلال وقت أقل، وقد طور الباحثون نظام ذكاء اصطناعي لمعالجة المهام الحسابية الخاصة بالتخطيط الحضري، ووجدوا أنه ينتج خططًا حضرية تتفوق على التصاميم البشرية بمقدار 50%، وذلك بالاعتماد على ثلاثة مقاييس وهي "القدرة على الوصول إلى الخدمات، ونسبة المساحات الخضراء، ومستويات حركة المرور"، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المخططين الحضريين على تحقيق هذه الرؤية بشكل أسرع.

عندما نتحدث عن حاجتنا لدراسات وتحليلات دقيقة فلن نجد أفضل من الذكاء الاصطناعي للقيام بهذه المهمة خصوصًا ونحن نتحدث عن معطيات متداخلة مع بعضها البعض والذكاء الاصطناعي وتطبيقاته قادر على قراءة هذه المعطيات من جميع الزوايا وتقديم بيانات دقيقة يستخدمها في التخطيط الحضري للمدن، وهنا نتحدث عن هدف نريده جميعًا لمدننا في المستقبل، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي سيخلل من الأخطاء ويخطط لمدن تستوعب المتغيرات السكانية للمدن بشكل دقيق وعملي.

جودة الحياة ليست مرتبطة فقط بتخطيط المدن؛ بل تتداخل فيها أيضًا جودة وتوافر المرافق التعليمية والصحية، وهنا نحن نتحدث عن نقلات نوعية سيوفرها الذكاء الاصطناعي لتطوير هذان القطاعين المهمين لتحسين جودة الحياة واستقرارها، وبالحديث عن التعليم فدخول الذكاء الاصطناعي لمدارسنا وجامعاتنا سيخلق لنا تجارب ونماذج تعليمية أكثر كفاءة وستحين من مخرجات التعليم بكل تأكيد، وفي مجال الطب فالحديث هنا واسع ومتشعب فالذكاء الاصطناعي لن يحسن الخدمات الطبية فقط؛ بل سيغير منظومتها ومنظومة أبحاثها وتطوراتها وإيجاد حلول لمشاكل وأمراض نراها اليوم مستحيلة، وكل هذا ينصب في مكان واحد ألا وهو جودة الحياة.

أيضًا يمكننا القول إن ربط كل ما طرحناه سابقًا وإيجاد آلية واحدة لدراسة كل المتغيرات مع بعضها البعض سيقدم لنا طرقًا جديدة في تحسين جودة الحياة، ولن يتوقف الأمر على ما وصلنا له اليوم من تطورات أو حتى أبحاث لكيفية التخطيط المستقبلي للمدن والمرافق وعلاقتها بجودة الحياة، فالمستويات القادمة سوف ترتف ونجد معايير أكثر جودة في قادم الوقت، خصوصًا وأن هناك قناعات كثيرة لدى الكثير من المسؤولين الحكوميين بضرورة تحسين جودة الحياة ووجوب الاهتمام بجميع جوانب الحياة، وأن هذا الأمر لم يعد ترفًا في عالم تتنافس فيه المدن على أن تكون في الطليعة لجذب العقول وتحسين اقتصادها.. ولذلك التخطيط السليم سيدفع مدن بعينها من أن يكون لها المنافسة الأكبر في جودة الحياة التي تقدمها، وهذا كله مرهون بقدرة هذه المدن على توظيف الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته لتصميم مدن المستقبل وتطوير منظوماتها في التطوير الحضري.

لم يعد كافيًا أبدًا في وقتنا الحالي إيجاد طرق جيدة ولا مرافق ممتازة ولا حتى تحسين الحياة البيئية بالنسبة للمدن؛ بل أصبحت هناك معايير أكثر تطورًا وتجد في جودة الحياة تداخلات كثيرة يجب الانتباه لها والتخطيط لها في عمليات التوسع العمراني وتوزيعه، وحتى في إعادة تصميم المدن بما يخدم سكانها وروادها.. لذلك نحن كبشر سنحتاج لأداة تقوم بقياس الوضع الحالي بدقة وما سنحتاجه مستقبلًا كمدينة وعليه ستصمم ما يجب أن نقوم به من خطوات عملية للوصول لأهدافنا، ولهذا أدعو من خلال هذا الطرح أن يكون لمدننا خطة حضرية تراعي الاستدامة في سبيل تحسين جودة الحياة لمواطنينا وسكاننا.

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط