عندما تُمجّد السفاهة

 

محفوظ بن راشد الشبلي

mahfood97739677@gmail.com

 

عندما يُسَلّط الضوء على دائرة مُعينة فكل العابرين حولها سيلفت نظرهم ذلك الضوء الساقط على تلك الدائرة ولو كانت لا تحتوي على شيء لِيُرى ويُشاهد، ولكن ذلك الضوء هو الذي أحدث ذلك الفارق وشدَّ الانتباه ولفت نظر الجميع وحفّز لديهم لغة الفضول للمشاهدة، بينما في زاوية أخرى يوجد هُناك شيء ثمين ومُحفّز للرؤية غير أنّه بعيد عن دائرة الضوء المسلّط عليه ولذلك لم يلتفت إليه أحد رغم كثرة العابرين نحوه وبِقُربه وبذلك فَقَد بريقه ولمعته ورونقه وجودته التي هو عليها.

لذا فإن وجود الشيء المرئي ولو كان عديم الفائدة هو كفيل بأن يَشد انتباه الناس وينظرون إليه بشغف ولو كان بلا جودة ولا مضمون، ولكن تسليط ضوء الإعلام عليه أوصله للشهرة من العدم بينما فشل كثيرين من إبراز محتواهم الراقي والمُفيد وبجودة عالية في المضمون كي يصل ليُرى وليستفيد منه العامة كون الإعلام لم يعطيه حقّه ورُبما قصده عَنوة وصد عنه صدودًا وأبقاه بعيدًا عن دائرة الضوء.

في زماننا الحالي أوجدت مواقع التواصل مساحات شاسعة للفئة ذات المضمون الهابط تتداول من خلالها ورفعت من قَدرهم كي يُشاهدهم المُغرمين بهم ويقلدونهم ويقتدون بهم، بينما أحطّت من قيمة القيّمين النابغين وخفضت من مستواهم وهمّشتهم كي تستفيد منهم الفئة التي تَسعى لتعلّم المفيد منهم والتأسّي بهم والانتفاع بأفكارهم وبعِلمهم ومحتواهم الراقي والمُفيد الذي يجتهدون فيه ويُقدمونه للعامة بطريقة جميلة ومُفيدة.. إذن؛ فالأزمة هي أزمة ثقافة الإعلام المُعاصر وفي كيفية انتقاء المضمون وإبرازه بالطريقة التي يستحقها.

والمشهد الحالي في شتى مواقع التواصل التي نتصفحها ونُتابعها والتي تمر بنا ونعيشها يوميًا هو انشغال الأغلبية في تمجيد المحتوى الهابط وفئته الهابطة وتزيينه وتسويقه شكلًا ومضمونًا كي تتقبله العقول بقبولٍ حسن وتعيد نشره وتداوله لأكبر شريحة من المجتمع المتتبعين لمواقع التواصل، بل وتنشغل به جميع القنوات وهو في أصله لا يمت لمضمون نافع ولا يَفيد بشيء ذارع بقدر ما هو ضار وهابط تزرعه المواقع لفئات المجتمع بل ويشغل الناس ويشد انتباههم له لترك الشيء المُفيد والنافع والتغافل عنه، وسامح اللّه تلك الفئة التي سوّقت له وأبرزته وسَعت لإشهاره بين العامة.

خلاصة القول.. إنْ لم تكن هناك عقول ناصحة وصدور واسعة وأفكار راقية تواجه وتدحض كل من يُسوّق للتفاهة والتافهين، فإننا سننغمس في وَحل الفئة الضالة والمُضلّة، فنحن في زمان انتشرت فيه الفتن بسبب تسويقها وانتشر التعرّي بسبب اشهاره وكثر أهل الباطل وقل فيه الناصحون، فساعد المجتمع أيها الأخ العزيز في تطوير ذاته ونقاهة أفكاره بالمحتوى النافع والمُفيد والذي يرتقي بالعقول نحو الهِمم، وبقدر المستطاع كُف أصابع يدك أيها الناشر للتفاهة ودعها تقف عندك واحذفها ولا تُساعد في نشرها وتداولها كي لا تُساهم في ضياع القِيم والمبادئ وتضيع معها القافلة بأكملها.

تعليق عبر الفيس بوك