كتائب القسام وعملية الخداع الثانية مع إسرائيل!

 

عبدالله العليان

عندما نعود بالذاكرة إلى حرب عام 1973 وذكرى نصر العاشر من رمضان، والتي قامت بها كل من مصر وسوريا، ضد الاحتلال الإسرائيلي، نرى حجم الخطط الإستراتيجية التي أُعدت إعدادًا رائعًا لخداع الكيان الإسرائيلي في هذه الحرب التي استطاعت فيها مصر أن تقتحم الساتر الترابي الضخم الذي أقامته إسرائيل على الضفة الشرقية لقناة السويس.

كل هذا التخطيط جرى باتفاق بين مصر وسوريا، وتضمن خطة هجوم في وقت مُتزامن، وأثبت الجندي العربي في هذه الحرب ثباته وإتقانه للخطة الهجومية، وإيمانه وإصراره على النصر بتوفيق الله تعالى، وفي عز الظهر.. إنها مفخرة لأبنائنا وأجيالنا المُقبلة لتحكي عن ذلك اليوم الذي لا يُنسى من الذاكرة، وكيف فعل الأبطال وقاتلوا في أشرف المعارك وأشدها عنفًا دفاعًا عن كرامة الأمة العربية والإسلامية؛ ذلك هو نصر السادس من أكتوبر عام 1973، وهو علامة فارقة في حياة أمتنا العربية بين مرحلة ومرحلة، الفاصل بينهما أزمان في القدرة والمكانة والروح المعنوية، لتنكسر الأسطورة الكاذبة بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي قوة لا تُقهر، فقد نجحت عملية الخداع التي جعلت العدو يتفاجأ بهذه بالحرب والمباغتة بالهجوم، وأسهمت في اقتحام خط بارليف المنيع كما ادعوا!

وعندما نقارن العملية الهجومية التي ما زالت تنفذها كتائب عز الدين القسام والتي انطلقت يوم 7 أكتوبر 2023، مع ما حدث في 6 أكتوبر 1973، نجد أن هذه الكتائب وهي الذراع العسكري لحركة حماس، نكتشف أنها حققت أيضًا عنصر المفاجأة غير المتوقعة والتي أربكت إسرائيل، وما سبقها من عملية خداع استراتيجي للقوة العسكرية الإسرائيلية، على نحو لم يسبق له مثيل في الحروب العربية الإسرائيلية. لا شك أن هذه العملية التي أدت إلى مقتل المئات من الإسرائيليين، وإصابة آلاف الجرحى، ناهيك عن الأسرى والمفقودين الذين لم تُعرف أعدادهم حتى الآن، لم تعد عملية خاطفة، كما هي بعض علميات المقاومة السابقة، ولذلك فإنَّ الحرب على غزة، لم تتوقف منذ أكثر من عقدين وتشتعل بين الفينة والأخرى، لكن إرادة المقاومة ثابتة. كما إن المقاومة تطوِّر قدراتها مع كل حرب إسرائيلية على غزة، غير أن ما يحدث منذ السابع من أكتوبر، يفوق كل التصورات، من حيث الإمكانيات والخطط والتكتيكات؛ إذ تفوقت المقاومة على الكيان الإسرائيلي من حيث الخطط التكتيكية المباغتة.

وعندما نعود بالذاكرة إلى حرب 2008 وما نجم عنها من مجازر وحشية شملت النساء والأطفال والمدنيين في كل مناطق قطاع غزة، ادعت إسرائيل وبررت هذه الهجمات، بأنها "تدافع عن شعب إسرائيل"! بينما تتجاهل إسرائيل أنها كيان محتل وغاصب للحق الفلسطيني، وهذا التبرير ليس جديدًا، فقد كانت تقوله عشرات المرات في كل هجماتها وحروبها على الشعب الفلسطيني الأعزل.

ويمكن القول إنَّ ثمة مفاهيم جديدة تُصاغ في المنطقة، تنسف ما عبّر عنه شيمون بيريز الرئيس الأسبق للكيان الإسرائيلي في كتابه "معركة السلام" عندما قال: "قبل إرساء أساسيات السلام لهذا الشرق الأوسط الجديد، وكما نفعل مع أي مشروع للبناء، علينا أن ننظف الأرض أولًا"، وكان يقصد تصفية قضية العرب الأولى، وتهميش الحقوق الفلسطينية، لكن ما يحدث على الأرض الآن يؤكد أن الفلسطينيين يكتبون تاريخًا جديدًا.

إنَّ الهجمات المتواصلة على غزة، والتهديد بتوسيعها، لن تحقق أهدافها على المدى البعيد، والشعوب الساعية إلى استرداد حقوقها، لن تُرغمها القوة المسلحة على الرضوخ إلى مطالب العدوان، لكن غرور القوة الإسرائيلية يُغريها بالمغامرة في ظل الغطاء الأمريكي، وهو ما لن يُحقق لإسرائيل السلام والأمن والاستقرار.

ويظل ما تقوم به كتائب عز الدين القسام، مُعجزة بكل المقاييس، وستُدرَّس في العلوم العسكرية، كمخطط تكتيكي لافت، ولذلك نجد أن الولايات المتحدة، بدأت في فتح خطوط دعم وإمداد بالذخائر والمقاتلات إلى إسرائيل، فهل قدرات إسرائيل ضعيفة إلى هذا الحد؟ ألم يكن ما جرى هو الفشل وغرور القوة والغطرسة التي نام عليها الكيان لعقود طويلة؟ وهل تنسى الولايات المتحدة أن فلسطين أرض محتلة؟ وأن القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وضعت في نظامها الأساسي، أنَّ من حق الشعوب استرداد حقوقها المشروعة؟

وأخيرًا.. إن المعايير المزدوجة التي تطبقها أمريكا والغرب لن تُنهي الصراع، ولن تُوقف النضال من أجل استرجاع الحقوق، والأيام القادمة ستكشف مدى الخسائر الفادحة التي تكبدتها إسرائيل في عملية "طوفان الأقصى".