حمد بن سالم العلوي
سنيّ الضياع تشمل العالم العربي كله وبأكمله، وإن كان بدرجات متفاوتة في الضرر، وهذه المقالة لن تستطيع أن تغطي سنيّ الضياع العربي، فحالة الضياع هذه تحتاج إلى مُجلّدات لشرحها كحالة عربية خاصة، فإذا بدأنا بأيام نكسة العرب في 1967م، وهو التاريخ المعاش لبعض الأحياء من العرب، وأنا أحدهم وإن كنت في سن الطفولة وقتذاك، وإنما الذي كان يتداول في السَّبْلة العُمانية بين الكبار، كان يتسلل إلى مسامع الأطفال، ويؤثر في نفسياتهم التي شحذت بالشجاعة والنصر.
والسؤال وقتذاك يقول؟ كيف يهزمنا الصهاينة أعداء الله ورسوله؟! لولا وجود خلل في عقيدة الناس الإيمانية، وقد رأينا بعد ذلك بسنوات قليلة، كيف تهللت أسارير الناس، على إثر بشرى النصر في حرب أكتوبر عام 1973م، وقد انتشينا نشوة لكننا صُدمنا بفجيعة زيارة الرئيس السادات لإسرائيل، والتي ضيَّع فيها نتائج النصر، بعد أن ظننا أن النصر آتٍ لا محالة، وخالفنا ما ذكره القرآن الكريم عن مجادلة اليهود في تنفيذ أمر ربانيّ قائم، وذلك عندما طلب منهم ذبح بقرة، ستعينهم على معرفة قاتل أحدهم، فنحن البشر ظننا أن السلام مع اليهود، يمكن أن يتحقق بالكلام والحوار.
ثم انتقلنا تدريجيا إلى مشاكل العرب التي رافقتهم عبر تلك السنين العجاف، وصولًا إلى حرب العراق وإيران، ومن ثم احتلال الكويت من قبل العراق، وبعد ذلك تأتي الحبكة في بوتقة واحدة كاملة متكاملة لهذه المشاكل، ألا وهي حرب أمريكا وبريطانيا المباشرة على العراق، وتلك الحرب مُخطط لها مُسبقًا، وذلك بمساعدة معظم العرب، الذين شاركوا في تدمير العراق، نكاية في الرئيس صدام حسين، وربما أعلن البعض اليوم عن ندمهم على ما فعلوا في العراق، ولكن هذا الندم لن يُعيد العراق إلى ما كان عليه قبل الغزو، وكذلك العراقيين الذين صفُّوا مع الأمريكان في تدمير العراق، وقد ظنوا أن العراق سيتحول الى جنة الفردوس على الأرض مع ذهاب صدام حسين، لكن الذي حدث بالضبط هو فشل ذريع للعراق وللدول العربية التي وقفت ضده، وتآمرت مع الغرب على تدميره، وإلى اليوم ظلت العراق في تخبّط، وفي تردٍ مستمر، بسبب ذلك التدمير الذي وعد به الأمريكان العراق؛ حيث قالوا إنهم سيعيدون العراق إلى القرون الوسطى، وهذا ما حصل بالفعل. لكن الشيء الثابت اليوم، أن العراق أصبح يفتقر إلى الأمن والأمان، ويفتقد العدالة والاطمئنان، فلا حياة كريمة للناس، وسيظل العراقيون في خوف وقلق، طالما ظل العراق لم يستعد عافيته.
فإذا عدنا بالنظر إلى الحرب التي كانت بين العراق وإيران، لوجدناها أنها كانت لخدمة الغرب، ونقول ذلك دون أية مواربة؛ فالغرب ربما شجع العراق بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة للهجوم على إيران، ونحن نعلم أن العراق هو من بدأ بالهجوم على إيران، مهما قيل من أقاويل من إيران هي التي هجمت على العراق، وأن العراق رد العدوان، فالعاقل يعرف أن دولة توها منتصرة على إمبراطورية من الإمبراطوريات العميلة للغرب، ومهتمة بتوطيد عرى الحكم في الداخل، لأنَّه يمثل أولوية قصوى لها، لن تشطح شطحة خطيرة بالحرب مع إحدى دول الجوار.
وإذا كنت لها نوايا تجاه الجوار، سوف تؤجلها إلى فترة لاحقة، وإلى أن يستقر الأمر لها في الداخل، وإنما العراق هو من استغل الفترة الانتقالية بين زوال حكم الشاه، وبدء حكم الجمهورية الإسلامية في إيران، ظنًا منه أن حالة الضعف التي ستسببها الفترة الانتقالية في إيران، ستعطي الفرصة لانتصار العراقيين والغرب والعرب معًا على إيران، وأن النصر سيكون سهلًا للعراق، إلا أن الحرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران، وهذا دليل على أن الإيرانيين ما كانوا سيستسلمون بسهولة، ولو علم أولئك المتآمرون أن العقيدة الحربية الإيرانية، والتي تقوم على شيئين اثنين.. وهما؛ النصر أو الاستشهاد، لأحجم العراق على أقل تقدير عن دخول الحرب مع إيران، أما الغرب وأعوانه، فقد كانت النتائج مضمونة لهم بمجرد اشتعال الحرب.
والشيء الذي أريد ان أؤكد عليه، أن العراق أو سوريا أو لبنان أو ليبيا أو اليمن أو السودان، وهي الدول التي ما زالت تعيش مسرح عمليات الغرب على أراضيها، فهذه البلدان ستظل تئن تحت وطأة أضرار التدخل الغربي، وسوف لن تستعيد سيادتها واستقلالها، كما كانت قبل تدخل الغرب، إلا بعد سنوات عجاف طويلة، فكلما التأم جرح جددوا بخطط الغرب الخبيثة جراحاً كثيرة، والغرب كما هو معلوم ينشر ديمقراطيته الخاصة بالعرب- أي الديمقراطية الخاصة بالتصدير- لأن الديمقراطية الحقيقية ستظل خاصة بهم وحدهم، أما المُصدَّرَة فهي مجرّد شمّاعة للتدخل، ولأجل إخضاع الدول والأنظمة العربية للغرب، ولكي تظل هذه الدول الغربية، تمثل طوق النجاة (الكاذب) للعرب، وذلك بحيث تظل هذه الدول متشرذمة ومتفرقة، ولا تستطيع التفاهم مع بعضها البعض- إلا بإذنٍ- ولا يكون لها استقلال حقيقي خلال فترة الهيمنة الغربية عليها.
إذن؛ فإنَّ سنيّ الضياع التي يعيشها العرب اليوم، والتي تقوم على أن الغرب صادق فيما يقول، وينوي الخير للدول العربية، وأن كل التقسيم والتجزئة التي يقوم بها، هي في صالح العرب، لكي يشمل منصب الرئيس وكرسي الرئاسة ثلث السكان، فمن يموت من الملوك والرؤساء العرب، سيحمل معه على أقل تقدير منصب ملك أو رئيس سابق، فلا يهم إن كان مرحومًا أو ملعونًا، المهم أن اللقب سيرافقه إلى أن تقوم الساعة، إذن؛ هذا شيء فيه خير باللقب من الغرب للعرب.
ترى هل يتعمد العرب أن يُغمضوا عين الحقيقة عن التاريخ الغربي تجاههم، ألا يتذكرون فظائع سجن أبوغريب، وطائرات الهليكوبتر التي كانت تقصف المدنيين في العراق دون تمييز، أو فضائع معتقل جوانتانامو أقذر سجن في التاريخ الحديث، والغرب نفسه يقول؛ وعلى لسان الأمريكان، إن الأمريكان مهمتهم إدارة الأزمات.. وليس حلها، وإن الغرب ليسوا مثلنا أبدًا، فهم يمثلون العنصر الأكثر رقيًا وتقدمًا عن كل البشر.
وهي بالطبع نظرة دونية- ولا شك- ومع ذلك يظل العرب يستلطفون هذه النظرة، ولا يعطونها الاهتمام اللازم، فتظل أوروبا ومن قبلها أمريكا تدير الأزمات في بلاد العرب، وغيرها أيضًا مثل؛ روسيا، والصين، والهند، وباكستان، وأفغانستان، وكل دول العالم الثالث الذي لا ينطبق عليه مسمى أوروبي أو أمريكي شمالي، وحتى الدول التي خرجت من الاتحاد السوفييتي، هي مجرد دول وظيفية تابعة للغرب، ومرضيّ عنها طالما ظلت تطيع التعليمات، بحيث لا تحاول أن تستكفي بشيء من صنعها، ولا تدير نفسها بنفسها، وإنما تظل مُعلقة بيد الغرب، وذلك ليظل يحركها كما يحرك الآن أوكرانيا ضد روسيا، لكي تحارب نيابةً عنه، على أمل أن تتسبب بانهيار روسيا، أو تقسيمها، أو استنزافها في أبسط الأحوال. وسوف أتحدث في المقالات التالية عن قوة وضعف الأنظمة العربية، ثم عن طبوغرافية دول الخليج.