سلطان بن ناصر القاسمي
تعد موضوعات الحرية والتربية للأبناء، من أكثر المسائل التي تثير الجدل في مجتمعاتنا اليوم؛ فحرية الأبناء هي قضية حيوية تمثل التوازن الصعب بين إعطاء الأبناء مساحة للتطور الشخصي وتطوير هويتهم، وبين وضع القواعد والحدود التي تحميهم وتوجههم نحو التصرف بشكل صحيح ومسؤول.
والحرية المطلقة تعني السماح للأبناء باتخاذ قراراتهم بشكل غير منقوص وبلا قيود كبيرة؛ حيث إن هذا النهج يعتمد على فهم عميق لقدرات واحتياجات الأبناء، ويعزز من مسؤوليتهم واستقلاليتهم، ومع ذلك، يجب ملاحظة أن الحرية المطلقة يمكن أن تكون مضرة إذا ارتبطت بانعدام التوجيه والمراقبة.
ومن ناحية أخرى، الحرية المقيدة تعني وضع قواعد وحدود لسلوك الأبناء وفرض توجيهات من قبل الوالدين، وهذا النهج يهدف إلى حماية الأبناء وتوجيههم نحو السلوك الصحيح والقرارات المسؤولة. ومع ذلك، يجب أن يتم ذلك بحذر لضمان أن الأبناء لا يشعرون بالقمع أو فقدان الثقة في أنفسهم.
وفي هذا السياق، يعد فهم التوازن بين الحرية والتقييد في تربية الأبناء أمرًا حيويًا. فالهدف الأسمى هو تمكين الأبناء من تطوير شخصياتهم وتحقيق إمكانياتهم، وفي الوقت نفسه توجيههم نحو النجاح والمسؤولية، وإن تحقيق هذا التوازن يعتمد على التفاهم العميق بين الوالدين والأبناء، وعلى تقديم الدعم والإرشاد في الأوقات الصعبة.
كما إن أساليب حياتنا وطرق تربيتنا لأبنائنا تختلف من فرد لآخر، وهناك عوامل متعددة تؤثر في هذه العملية، من بين هذه العوامل تأتي الأسرة في مقدمتها، حيث يمكن أن يؤدي غياب الأب عن المنزل بسبب التزاماته العملية والشخصية إلى تغيير دور الأم في توجيه وإدارة الأسرة، ويعتمد نجاح هذه الفترة على مدى تواصل الأب مع أبنائه ومشاركته في كافة الأمور المتعلقة بهم، نعم إذا بقي الأب على اتصال واطلاع دائم بشؤون أبنائه، يمكن اعتبار هذه الفترة ناجحة، ومن ناحية أخرى، إذ انشغل الأب عن ما يجري في المنزل، واتخذت الأم القرارات منفردة دون اطلاع الأب، فإنَّ هذه الفترة قد تصبح متعثرة، حيث يمكن أن تكون هذه المشكلة ناجمة عن مجموعة من الأسباب، بما في ذلك حفاظ الأم على هدوء الأب وراحته عند عودته من العمل بين جهد وعناء، لذا تبذل الأم طاقة أكبر لحل جميع المشاكل بمفردها.
وإضافة إلى الأسرة، تأتي بيئة المجتمع الأسري كعامل مؤثر آخر في تربية الأبناء، حيث يمكن أن يتعلم الأبناء العديد من العادات والسلوكيات من التفاعل مع أفراد العائلة والمجتمع المحيط بهم. لذا، من المهم أن يتولى الوالدان تربية الأبناء معا، بحيث يمكن للجميع المشاركة الفعالة في جميع الأحداث والتجارب التي يمرون بها، سواء كانت هذه التجارب إيجابية أم سلبية، فإن قرب الأب ومشاركته سيساعد في توضيح الصورة بشكل أكبر لكيفية تربية الأبناء بشكل صحيح.
وعندما نناقش موضوع حرية الأبناء في سنوات الصغر، يجب أن نضع في اعتبارنا أنهم بحاجة إلى إشراف مباشر من قبل الوالدين، حيث إنه لا يمكننا أن نترك الأبناء يتصرفون بحرية تامة دون توجيه أو إشراف، فنحن كأولياء أمور ملزمون بأن نعلمهم الفرق بين التصرفات المسموح بها وتلك التي يجب تجنبها، فهذا التوجيه والإشراف يساعدان في بناء حسن التصرف عند الأطفال، حتى ينمو معهم ويكتسبون تفهمًا أفضل لأفعالهم وقراراتهم.
ومع مرور الوقت وبالتزامن مع نمو الأبناء، يجب أن تتغير طرق التوجيه والإشراف، لتأتي مرحلة تحمل معها متغيرات كبيرة في سلوكيات وتصرفات الأبناء، وهي التحول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب والمراهقة، وفي هذه المرحلة، يجب على الوالدين تفهم أن عقلية المراهق تختلف عن الأطفال، حيث يمكن أن يصبح المراهق أكثر عنادًا وتمسكًا بآرائه ومعتقداته الخاصة، لذا يجب عليك أيها الابن العزيز أن تدرك أن عقلك الباطن يوجهك بطريقة قد تكون خاطئة وأن كل توجيهات الوالدين غير صحيحة وأن مكنونات أفكارك صحيحة وهنا تقع الكارثة، ومتى تنتبه أن توجيهات والديك صحيحة؟ فقط عند فوات الأوان! وعليه استمع بتمعن وحرص لهذه التوجيهات في هذه المرحلة لأنها مرحلة مفصلية في حياة الشاب إما أن يسلك الطريق الصحيح للحياة المستقبلية أو يتعثر ويكون عرضة لمواجهة مطبات الحياة مستقبلًا، حتى وإن وجهك عقلك اللاوعي إلى غير ذلك.
لهذا.. ننصح بشدة الوالدين بأن يكونوا على استعداد للتفاهم والحوار مع أبنائهم في هذه المرحلة الحرجة من النمو، و يجب على الوالدين أن يعملوا على إقامة علاقة قائمة على الثقة والاحترام، والاستماع بعناية إلى آراء واحتياجات أبنائهم، وللأبناء يجب أن يكونوا على استعداد للتفكير بعمق في توجيهات الوالدين والاستفادة منها في تطوير ذواتهم.
لتأتي مرحلة الدراسة الجامعية التي يطالب فيها الأبناء بالحرية الكاملة والمطلقة، لنجد أن الشاب والشابة في هذا العمر يرغب في أن يدير حياته الكاملة بنفسه دون توجيه أو إشراف مباشر من الأبوين لتأتي بعدها المشاكل التي تنجم عن تلك الحرية فتجد الابن أو الابنة يخفون أصدقاءهم أو حتى أمور دراستهم عن والديهم لنجد الكثير منهم قد دخل في الخطأ والمحظور والدخول في كثير من الأخطاء التي قد تتسبب في ضياع مستقبل الشخص، والنتيجة النهائية طردهم أو تأخرهم في اجتياز مرحلة الدراسة الجامعية. وهنا ايضاً لا أعمم على الجميع طبعًا ولكن نصيحتي للآباء، عليكم متابعة الدراسة الجامعية مع أبنائكم حتى نبتعد عن مثل هذه المواقف التي من الممكن أن تجر هؤلاء الأبناء إلى فشل هذه المرحلة، نعم إن المراقبة المباشرة مطلوبة مع إعطاء الأبناء المرونة في اختيار قراراتهم الذاتية مع المشورة والمراقبة غير المباشرة.
لذلك.. ننصح الوالدين بأن يبقوا على اتصال وثيق مع أبنائهم أثناء فترة الدراسة الجامعية، كما يجب عليهم مشاركة الأبناء في اتخاذ القرارات وتقديم المشورة في اللحظات الحرجة، وهذا يمكن أن يساعد في تجنب المشاكل والانزلاق إلى الخطأ، كما أن تذكير الأبناء بأهمية القناعة والتفكير في إمكانيات وقدرات الوالدين يمكن أن يكون له تأثير كبير.
وفي الختام.. يجب أن تتطور حرية الأبناء تدريجياً مع نموهم وتطورهم، ويجب أن تكون متوازنة مع المسؤولية، ومع إمكانيات وقدرات الأسرة، والتوجيه والدعم من الوالدين هما العناصر الأساسية لضمان نمو أبنائكم بشكل صحي ومستدام، ومن خلال الحوار وتعزيز المهارات الحياتية، يمكن للوالدين أن يساعدوا أبناءهم في تحقيق النجاح والتفوق في حياتهم.