هل تفرض السعودية دولة فلسطينية؟

 

علي بن سالم كفيتان

يبدو أنَّ صاحب السُّمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية يقود تفاوضًا شرسًا مع الكيان الصهيوني المُتعطِّش لاعتراف المملكة به وتطبيع العلاقات معه، بعد أن استُدرجت عدة دول عربية لتسويات واتفاقيات تطبيع منزوعة الدسم مع الكيان الغاصب، دون أن تحصل دولة فلسطين على استقلالها ولو بشكل جزئي في الضفة وقطاع غزة.

ولعل ما لفت انتباه المتابعين لمقابلة الأمير محمد بن سلمان مع محطة فوكس نيوز الأمريكية، هو ربطه أي علاقة مع إسرائيل بحياة كريمة ومُستقرة للفلسطينيين وإعلانه عن وجود تفاوض عالي المستوى بوساطة أمريكية بين الطرفين، فهل يفعل الأمير الشاب ما لم يستطع الآخرون القيام به؟

لا شك أن المملكة العربية السعودية فرضت واقعًا جديدًا في المنطقة وأن التغيير الذي أحدثه الملك سلمان بن عبد العزيز في نظام الحكم عبر الدفع بسُّمو الأمير محمد الى واجهة المشهد أحدث تغيُّرًا جذريًا في النظرة إلى المملكة العربية السعودية، ولا يختلف اثنان على كاريزمية الأمير، وقوة تأثيره، ليس على الساحة السعودية فحسب؛ بل على المستوى الإقليمي والدولي؛ حيث استطاع وضع بلاده على خارطة الدول الأكثر تأثيرًا في العالم، وتمكن من انتزاع احترام الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لبلاده، عبر الندية في التعاطي، والإيمان بقوة شعبه، ومقومات بلاده الهائلة؛ لذلك رأينا تراجُع الإدارة الأمريكية الحالية عن موقفها السابق مع المملكة، ولم يكن ذلك ممكنًا في الوقت الذي كانت فيه السعودية تضع كل بيضها في سلة أمريكا؛ فالأمير الشاب فتح الباب مُشرّعًا لعلاقات وطيدة وتعاون اقتصادي طامح مع الصين وروسيا والهند وغيرها من الدول من باب مصلحة السعودية.

ما أربك المشهد كذلك هو مرونة سمو الأمير في اتخاذ القرارات واستعداده للتفاوض والتصالح مع الجميع، خاصة على المستوى الإقليمي؛ فلم يكن أفضل المتفائلين يتوقع إعادة العلاقات مع إيران، بتلك السرعة، في ظل عمليات شدِّ الحبل بينها وبين الغرب وإسرائيل، واتخاذها فزّاعة لإرهاب العرب. فقد منح الأمير محمد بن سلمان فرصة أخرى للأمة الإيرانية للتعايش مع محيطها الإقليمي بعيدًا عن الطموح الثوري، والصراع على التسلح، ودعم المليشيات التي أحدثت الكثير من الفوضى في البلدان العربية بسيطرتها على مفاصل القرار السياسي واستيلائها على المُقدّرات الاقتصادية، ولم تحدث فارقًا في رفاه وتقدم الشعوب التي ترزح تحت وطأة المحاصصات الطائفية المقيتة؛ لذلك عاد الفرقاء اليمينون بطرفي النزاع الرئيسيين بقناعة تامة وإيمان عميق إلى الرياض؛ للتباحث حول إعادة بناء اليمن السعيد، بدعم غير محدود من حكومة المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، آملين أن تحذو لبنان وسوريا وليبيا ذات الطريق الذي سلكه اليمن؛ إذ أصبحت الرياض باب الأمل الجديد لحياة أفضل في المنطقة العربية.

الأمير السعودي الشاب لا يتحدث إلّا بلغة الأرقام؛ فهو في صراع مع الزمن لتحقيق أهداف واضحة، وهذا ما كشفته مقابلته الأخيرة مع "فوكس نيوز"؛ فالمملكة تخطّت مُستهدفاتها المعتمدة في عدة مجالات قبل الوصول إلى نهاية الاستراتيجية المقررة في 2030، وهذا مؤشر على العمل الدؤوب والمتابعة الحثيثة من سموه، وهذا ما انعكس في شكوى الوزراء الذين يعملون معه من العمل لساعات طويلة والسفر المتكرر والزيارات الدورية للمشاريع والمبادرات التي أطلقتها المملكة. من هنا يتجلّى إيمان القائد بما يرسمه من خطط وسياسات ويعمل عليها بكل حرص ومسؤولية، فكل ما طُرح في المملكة أصبح واقعًا يستطيع الكل رؤيته في مختلف المجالات وفي غضون سنوات، فالأمير يرى الرياضة والسياحة كأرقام تساهم في تنويع مصادر الدخل للمملكة؛ وهي بالفعل تحقق نتائج باهرة؛ حيث قفزتْ بنسب لم تكن مُتوقعة، ولا شك أنها إحدى بوابات القوى الناعمة التي يمتلكها الرجل ويعمل عليها باحتراف.

تمرُّ هذه الأيام الذكرى الـ93 لليوم الوطني السعودي والجميع في المنطقة يتطلع بأمل لتحقيق المزيد من التقدم والرفاه لشعوب المنطقة؛ بعيدًا عن الحروب والمقاطعات والاصطفاف الطائفي، وفي مقدمة هؤلاء الشعب الفلسطيني الجريح، فهل يستطيع بن سلمان اختراق شفرة الكيان الغاصب وانتزاع دولة فلسطينية، حتى ولو على حدود 1967؟ هذا ما سوف تفرزه الأيام المقبلة ويُبنى عليه كامل الصورة لطموحات الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود لواقع جديد في "الشرق الأوسط الجديد"، كما ذكر في أكثر من مقابلة، بأن أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط.. فهل ينجح الرجل؟ هذا ما نتمناه.