سدود درنة تدق ناقوس الخطر

 

د. عبدالباقي بن علي الخابوري **

khabouri_abaqi@yahoo.com

 

تُنشأ السدود عادة على مجاري الأودية والأنهار لعدة أسباب؛ منها: توليد الطاقة الكهربائية على مجاري الأنهار. أما في المناطق الجافة وشبه الجافة، فتقام السدود لتغذية خزانات المياه الجوفية، أو لتجميع مياه الأمطار السطحية ليتم استخدامها للزراعة والسياحة وغيرها، وكذلك يتم إنشاء السدود أعلى المستجمعات المائية والأودية لحماية المناطق السكنية أسفل الأودية من مخاطر الفيضانات.

وكي تؤدي هذه السدود الغرض الذي أُنشئت من أجله ولتجنب الكوارث أثناء انهيارها- لا سمح الله-، هناك الكثير من البروتوكولات الفنية التي لابُد من الالتزام بها أثناء عملية التشغيل، من أهمها الصيانة الدورية للسدود وإزالة الطمي والطين المتجمع بعد كل فيضان.

وعادةً تُصمَّم السدود لاستيعاب أعلى الفيضانات المتكررة خلال 100 عام منذ إنشائها، وعليه فالبيانات الهيدرولوجية والهيدروجيولوجية تعد عاملًا مهمًا أثناء عملية التصميم وكذلك التشغيل فيما بعد.

ولتجنب المخاطر الناجمة عن الفيضانات، فإنَّ سدود الحماية لوحدها غير كافية، حيث لابد من إجراء دراسات فنية تفصيلية على مجاري الأودية وخاصة المناطق الآهلة بالسكان في المستجمعات المائية السفلية لتحديد المخاطر. وعادةً ما تكون هذه الدراسات تفصيلية ومبنية على كثير من البيانات الهيدرولوجية، وعليه فإنَّ شبكات المراقبة الهيدرومترية وتجميع ومعالجة هذه البيانات بصفة مستمرة تعد من الأهمية بمكان لتقييم وإدارة الموارد المائية والتخطيط العمراني.

نتائج هذه الدراسات تُساعد في تحديد مسارات الأودية والمخاطر الناجمة عنها، وعليه لابد من الالتزام بها أثناء التخطيط العمراني وعدم التعدي على مسارات هذه الأودية وخاصة أسفل مجاري السدود.

إن ما جرى في وادي درنة في ليبيا الشقيقة يدق ناقوس الخطر- من وجهة نظري- لكل الدول العربية التي لديها سدود حماية على مجاري الأودية.

ويبلغ طول وادي درنة حوالي 60 كم وعرضه ما بين 39- 100 متر بمساحة إجمالية تبلغ 575 كم مربع. وتم بناء سدين في السبعينات من القرن الماضي لحماية مدينة درنة من الفيضانات. سد البلاد بسعة تخزينية تقدر بـ 1.5 مليون متر مكعب، يبعد حوالي 1 كم من المدينة وسد بو منصور بسعة تخزينية تقدر حوالي 23 مليون متر مكعب، ويبعد حوالي 13 كم من المدينة أعلى الوادي.

ونظرًا لغزارة الأمطار والتي بلغت 200 ملم في اليوم، علمًا بأن المعدل السنوي هو 200 ملم في السنة، فقد بلغت المياه المتجمعة أثناء العاصفة أكثر من 110 ملايين متر مكعب وبارتفاع بلغ 30 مترًا، ولذا لم تستطع هذه السدود الصمود طويلًا أمام هذه الكميات الهائلة من المياه والتي لم تصمم لاستيعابها أصلًا.

ومما يجدر الإشارة إليه أن معدل هطول الأمطار في سلطنة عُمان هو 100 ملم في السنة، وبلغ أكثر من 300 ملم في اليوم أثناء الأنواء المناخية "جونو".

وأفادت بعض التقارير إلى أن بعض الدراسات الأكاديمية التي أُجريت عام 2002، حذّرت من إمكانية انهيار سدود درنة؛ وذلك بسبب الإهمال في الصيانة الدورية، وعدم اتباع الإجراءات الفنية أثناء عملية التشغيل، نتج عن كل ذلك الآلاف من الضحايا والمفقودين.

الدروس المستفادة

تحظى بلادنا الحبيبة باهتمام بالغ منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي بإدارة الموارد المائية؛ حيث أنشأت عددًا من السدود للتغذية الجوفية وكذلك للحماية من الفيضانات. وتُعد تجربة السلطنة تجربة رائدة في هذا المجال، لكن لا بُد للجهات المختصة أن ترصد الموازنات اللازمة لصيانة السدود بشكل دوري وبعد كل فيضان. وكذلك يجب تحديث الدراسات الهيدرولوجية التي أجريت قبل 20 و30 سنة أثناء إنشاء بعض من هذه السدود، ومعالجة بعض النواقص الفنية التي لم تُؤخذ بعين الاعتبار وذلك لنقص البيانات الهيدرولوجية في حينها.

والأهم من كل ذلك في نظري، لا بُد من إجراء دراسات تفصيلية لمخاطر الفيضانات لجميع الأودية في سلطنة عُمان، وعلى أيدي مُختصين هيدرولوجيين ذوي كفاءة عالية في هذا المجال وعدم الاكتفاء بالدراسات الموجزة وغير التفصيلية.

وأخيرًا.. يجب الاهتمام بتجميع البيانات الهيدرولوجية والهيدروجيولوجية بشكل دوري وبدقة عالية ومعالجتها في قواعد بيانات مخصصة لهذا الغرض، وإتاحتها للباحثين والعلماء لإجراء بحوثهم ودراساتهم التي من شأنها أن تساهم بشكل علمي ومنهجي في إدارة الموارد المائية بالسلطنة.

وتُسهم التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي بدور محوري في الوقت الحالي في إدارة وتشغيل منظومة "Smart Water Management System” التي تُعد السدود إحدى مرتكزاتها، وعليه أرى من الواجب تَبنِّي جهات الاختصاص بالسلطنة مثل هذه التقنيات التي ركزت عليها رؤية "عُمان 2040" والاستفادة منها لإدارة الموارد المائية بالسلطنة بشكل علمي حديث.

حفظ الله عُمان من كل مكروه.

** دكتوراه في إدارة موارد المياه

تعليق عبر الفيس بوك