قضايا "النصب الزوجيّ" والحقوق الضائعة

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

قصصٌ غريبة نسمعها كل يوم في المحاكم، عن قضايا الزواج والطلاق والحقوق الضائعة بين طرفي الأسرة، حالات انتشرت في المُجتمع، تصيب المؤسسة الزوجية في مقتل؛ بل تكاد تتحول إلى آفّة اجتماعية خطيرة، تبدأ من "الثقة العمياء" لأحد الطرفين في الآخر، وينتهي صراعها في أروقة المحاكم؛ حيث تضيع حقوق أحد الطرفين، وغالبًا ما تكون الضحية هي "المرأة"، ويدفع فاتورتها الأبناء، ولا تنتهي تداعياتها النفسية والمالية عند حد.

وسبب هذه الحالات هو الجشع، وقلة الوازع الديني، واللامبالاة من طرف يخدع شريك حياته دون علمه، ويكيد له دون ضمير، أو رادع أخلاقي، بعد أن قام طرف منهما بتسجيل المنزل أو الأرض أو الممتلكات باسم الطرف الثاني دون أي ضمانات تكفل حقوقه، وقد يتورط هذا الطرف المُغرَّر به في قروض تمويلية باهظة، يدفع ثمنها من حياته، يقترضها لينعم بحياة مستقرة مع زوجه، فيتحول حاضره ومستقبله إلى كابوسٍ، ولأنه لا يملك مُستندًا ماديًا يسنده في قضيته لدى المحكمة، ولأنَّ القاضي يحكم بما لديه من وثائق ومستندات، فإنَّ الطرف المغلوب على أمره، يخسر القضية، وعليه أن يواصل دفع قروضه الشخصية أو السكنية طيلة حياته، بينما يتنعّم الطرف الظالم بالمنزل والحياة الرغيدة على حسابه!!

هذه الحكايات الإنسانية ليست من نسج الخيال، ولكنها واقع تشهده المحاكم كل يوم، فكم من زوج استغل ثقة زوجته، وباع منزلها، أو أرضها وممتلكاتها، لأنه يملك تفويضا أو توكيلًا كاملًا بالتصرف بالبيع، وكم من زوج أشعل المشاكل في عش الزوجية، بعد أن تنازلت الزوجة عن حصتها في المنزل الذي قامت هي ببنائه، وتأثيثه، ثقةً بزوجها، وبحُسن نيّة منها، فإذا هو يخون تلك الأمانة، ويُطلِّقها في أول فرصة سانحة، وتخسر هي كل شيء؛ بل وتدفع قروضها البنكية التي ألزمت نفسها بها، ليهنأ طليقها بتعاستها، ويعيش مع زوجته الجديدة على أنقاض أسرته القديمة.

وفي المقابل كم من امرأة استغلت ضعف زوجها، وحاجته لها، بعد أن كتب أملاكه باسمها، فافتعلت المشاكل كي يطلقها، بعد أن أصبح عبئًا عليها، ولم تعد بحاجة إليه.

إنَّ هذه القصص الاجتماعية المقلقة، على قلّتها، تؤشر إلى ذلك التوحش الإنساني الذي أصاب البعض، في ظل هذا التمدُّد المادي المُرعب، والذي حوّل الإنسان البسيط إلى إنسان دون قلب، ودون مشاعر، يدوس على كل من حوله، ولو كان أقرب الناس إليه؛ كي يعيش حياته على أنقاض ما بناه غيره، ودون أن يلتفت إلى الطريقة التي يدمِّر بها حياة أسرته؛ فالطلاق أصبح سهلا في يد البعض، يقوم به عبر رسالة نصية أو عبر "واتساب"، وبكبسة زِر في جوّاله، فلم يعُد هؤلاء يكترثون بتبعات ما يفعلونه؛ بل ويضحون بأبنائهم، ويتنازلون عنهم للأم، فهم لا يهتمون إلا بأنفسهم، ولا يُريدون تحمّل أي مسؤولية، ويتفننون في خداع الطرف الآخر، عبر الكلمات المعسولة، والهدايا الرخيصة، ليقع الشريك في المصيدة.

ولعل حالات الطلاق و"النصب الزوجي" سوف تزداد قريبًا بعد أن شرّع القانون زواج العُمانية من غير العُماني، إلّا إذا تدخلت السُلطات في تقنين هذا الأمر، وحفظت حقوق بناتها بعد الزواج، وقد بدأت بالفعل مشاكل هذا الزواج، من خلال نصب واحتيال الزوج الأجنبي على الزوجة العُمانية، واستغلال ثقتها العمياء فيه، وقيامه بفتح حسابات وسجلات تجارية، والحصول على قروض باسمها، ومن ثم هروبه إلى بلده، بعد أن ظفر بكل ما تملكه.

أنا لا أدعو هنا إلى عدم الثقة بين الزوجين، فهي أساس العلاقة الأسرية، ولكن في هذا الزمن المُتغيِّر، أدعو كِلا الطرفين إلى توثيق الأمور المادية "ذات الشأن" بينهما، خاصةً فيما يتعلق بملكيات المنازل، والعقارات، وإدارة السجلات التجارية، والقروض المشتركة، بشكل رسمي، وكتابي لدى محامٍ، أو في جهة رسمية، كي يحفظ كل ذي حقٍ حقه في حالات الخلاف، ويجب- في موازاة ذلك- أن يكون هناك إجراء رسمي جذري لحفظ حقوق هذه الحالات المُغرَّر بها، وأن يكون هناك تشريع أو قرار، يحفظ لكِلا الزوجين حقه المادي والمعنوي، حتى لا يكون أحد الطرفين ضحيةً لاستغلال وجشع الطرف الآخر، وحتى لا يستسهل البعض الإثراء والنصب على أنقاض رِباط الزواج المُقدَّس.