فايزة سويلم الكلبانية
يمضي اقتصادنا الوطني في مساراته نحو مزيد من النمو، على الرغم من أن الظروف الخارجية والتحديات التي فُرضت علينا خلال السنوات الأخيرة، كبحت قدرة اقتصادنا على تحقيق معدلات نمو مرتفعة تُلبي طموحاتنا وتتماشى مع الأهداف والخطط الاستراتيجية، لذلك لا بديل عن مواصلة خطط التحفيز الاقتصادي، وتبني مختلف الخيارات لدعم وتعزيز النمو الاقتصادي.
وفي ظل تعافي حركة الطيران في عمان والعالم من التداعيات الكارثية لأزمة "كوفيد-19"، يجب أن نطرح مسألة تعزيز النمو الاقتصادي من منظور الحركة الجوية وأعداد المسافرين والقادمين إلى عُمان. فعلى الرغم من تعافي القطاع نسبيًا، إلّا أنه لا يُمكن أن تظل مطاراتنا لا يتجاوز عدد المسافرين خلالها سنويًا 4 ملايين راكب، الغالبية العظمى منهم مواطنون ومقيمون يذهبون إلى رحلات أو إجازات سنوية! نعلم أن الجهات المختصة قد قدمت تسهيلات فيما يتعلق بالحصول على التأشيرة السياحية، لكن ما زالت هناك دول تشتهر بأنها دول مُصدِّرة للسياحة مثل الصين وروسيا ودول أخرى، وما زال السياح القادمون من هذه الدول لا يحصلون على تأشيرات سياحية سهلة، كأن تكون التأشيرة عند الوصول في المطار، بدلًا من الدخول في معمعة إجراءات روتينية عبر الإنترنت.
الحقيقة أنني في كل مرة استخدم فيها مطار من مطارات عُمان، أشعر بالفخر الشديد لما ألمسه من تسهيلات ويُسر في التنقل والحركة داخل المطار، وكذلك مستوى النظافة الراقي والذي ينافس أشهر وأزحم مطارات العالم، لكن إدارة المطارات لن تتمكن وحدها من جذب السياح وتنشيط الحركة الجوية، ما لم تتضافر جهود المؤسسات المعنية الأخرى. ولذلك أتساءل لماذا لا نقدم حوافز لشركات الطيران حول العالم لكي تتخذ من مطار مسقط محطة أساسية لعملياتها، وأن تكون عُمان محطة عبور "ترانزيت" لهذه الشركات، وهنا يُمكن أن نقدم عروضًا سياحية جذابة للرُكاب الترانزيت، منها إمكانية دخول عمان والتنزه والتسوُّق فيها خلال فترة الترانزيت، والتي قد تصل إلى ما يزيد عن 24 ساعة، ويمكن أن تتضمن التسهيلات أن تكون فترة الترانزيت يومين مثلًا، خلالها يستطيع السائح دون أن يتحمل ثمن تأشيرة جديدة، أن يتجول في عمان ويعود للمطار لاستكمال رحلته حيثما تكون وجهته النهائية.
أيضًا يمكن لمطارات السلطنة أن تتوسع في أنشطتها لتكون الواجهة الاقتصادية لعُمان، فعندما أقرأ شعار "عمان.. بوابة الفرص والجمال" يتبين لي أن ثمّة عناصر ما تزال تنقصنا في عملية الترويج لسياحتنا واستثماراتنا، خاصة إذا ما وضعنا في عين الاعتبار أن السائح قد يُفضِّل دولًا أخرى قريبة منَّا لأنها تقدم له تجربة سياحية مختلفة ومتنوعة. وهذا يؤكد النقطة التي ذكرتُها سابقًا، وهي ضرورة تكاتف جهود مؤسسات الدولة، وليس فقط جهة واحدة أو أن نُلقي باللوم على وزارة بعينها!
خلال الفترة الماضية، أعلن عدد من شركات الطيران العالمية وقف رحلاتها إلى عُمان، نتيجة لتراجع أعداد الزوار، وللأسف هذا أمر طبيعي في ظل ارتفاع تكلفة السياحة في عُمان، مُقارنة بدول ووجهات سياحية أخرى، إذ إن متوسط ما يحتاج إليه السائح من تكلفة مالية لصرفها خلال 5 أيام في عُمان، أكبر بكثير من التكلفة التي قد يتحملها في دولة في شرق آسيا أو آسيا الوسطى! والسؤال لماذا؟ الإجابة بسيطة، وهي أن تكلفة الإقامة الفندقية وأجرة التاكسي وغيرها ما زالت مرتفعة بالنسبة للسائح، لذلك لا نجد عادة سوى السائح الخليجي الذي يأتينا ويمكث أيامًا طويلة، لأن مستوى الأسعار يكاد يكون متشابهًا في دولنا الخليجية. لكن في المقابل السائح الذي يذهب إلى شرق آسيا أو تركيا أو أذربيجان أو أوروبا الشرقية مثل جورجيا، لا يتكبد تكلفة عالية عند استئجار فندق، والدليل على ذلك أن الرسوم والضرائب التي يدفعها السائح تتجاوز 25% من التكلفة النهائية. قبل أيام أخبرتني إحدى الصديقات من دولة عربية أنها كانت تبحث عن غرفة فندقية في عُمان؛ حيث تنوي زيارتها مع عائلتها خلال الشتاء، للاستمتاع بالطقس المميز عندنا في هذا الفصل، فوجدت أن الحجز الفندقي يُضيف ضريبة قيمة مضافة وضريبة سياحة ورسوم بلدية بمجموع يصل إلى 24% من ثمن الليلة الواحدة! بينما عندما لجأت إلى البحث عن خيار آخر في شرق آسيا، دفعت للخمسة أيام ما يُعادل ليلتين في عُمان!!! لذلك يجب أن نُعيد النظر في مسألة الضرائب المرتفعة والرسوم والتي تتسبب في عدم تفضيل السياح لعُمان، ويتجهون إلى الوجهات الأقل تكلفة.
وأخيرًا.. علينا أن نتعامل مع قطاع السفر والسياحة باعتباره- كما ذكرتُ سابقًا- الوجهة الاقتصادية الأولى، وبوابة الاستثمار الحقيقي، وأن تتكاتف الجهود من أجل تقديم منتجات سياحية بأسعار تنافسية، وأن نقدم التسهيلات اللازمة للدول المعروف عنها إنفاق مواطنيها على السياحة الخارجية، وأن نكتفي بالتأشيرة عند الوصول مع إطلاق عروض سياحية جذابة من حيث الأسعار.