"جبجات تايم" والسياحة البيئية

 

سالم الكثيري

 

تابعنا جميعًا الإقبال الكبير لمرتادي منطقة جبجات خلال الأيام الماضية، وهذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها أفواج المتجهين إلى جبجات؛ بل أخذ هذا المشهد يتكرر علينا مع نهاية كل موسم خريف، منذ عدة أعوام؛ حيث بات الكثيرون ينتظرون انحسار المطر وانقشاع الضباب للاستمتاع بأجواء جبجات التي تعد بمثابة الإعلان الأوّلي عن بدايات موسم الصرب.

وبقدر ما تشكل أجواء جبجات من عامل جذب سياحي بقدر ما تُثار حولها الكثير من النقاشات ووجهات النظر المختلفة؛ فالسائح يود الاستمتاع بهذه الأجواء الطيبة، والتاجر سواء أكان صاحب مطعم أو بضاعة أو مؤجر خيام أو بائعا متجولا، يحسب حساباته للتربح من الموسم، والمهتم بالبيئة ينظر للموضوع من زواية المحافظة عليها، وقبل هذا وذاك نظرة أبناء المجتمع المحلي ومدى استفادتهم من هذه الحركة السياحية أو تضررهم منها. وإذا طرحنا هذا الموضوع للنقاش يمكننا القول إن الإقبال على مناطق الجذب السياحي أمر طبيعي لا يختلف عليه اثنان إلّا أن تحول السياحة في جبجات إلى ظاهرة من الضجيج بحد ذاتها هو ما يستوجب التوقف عنده؛ إذ إن جبجات وإن كانت تتميز عن بعض مناطق القطن في محافظة ظفار بسهلها المنبسط وأشجار الطلح الكبيرة والكثيفة، إلّا أنها لا تختلف في المجمل العام كثيرًا عن بقية المناطق على طول الشريط الجبلي، من حيث الإخضرار وكثافة الأشجار وصفاء الجو ونقائه. لكن ما يُثير الاستغراب هو التزاحم المُلفت والمُبالغ فيه على مكان واحد وفي توقيت واحد وتجاهل بقية الأماكن المُماثلة، ولو على حساب الخصوصية والهدوء والبيئة، وكأن جبجات نَمَت مع الخريف وليست قطعة أصيلة قديمة قدم هذه الأرض!

بطبيعة الحال البشر ينجذبون إلى بعضهم البعض ويحبذون في أحيان كثيرة مشاركة تجاربهم مع الآخرين وأن "الإنسان مدني بالطبع"- مثلما يقول بن خلدون- إلا أن المبالغة في استعراض هذه المشاركات هو ما قد يُخرج الأمر عن سياقه الطبيعي. وفي الوقت الذي نؤكد على أن مسألة اختيار الذهاب إلى مكان بعينه هي حرية شخصية وحق مشروع لكل أحد، إلا أنه يفترض بنا كسياح من أبناء محافظة ظفار، أن نكون أكثر رويّة وحكمة واتزانًا في سياحتنا بحيث نختار التوقيت المناسب الذي من شأنه التقليل من الازدحام وتجنُّب مضايقة سكان المنطقة وعدم الإضرار بالبيئة، وإلّا فليس لنا الحق في انتقاد تصرفات بعض الزوار من داخل السلطنة وخارجها في الخريف، لنمارسها نحن في الصرب!

وإذا لم يكن بدٌ على الجهات المختصة من الترويج لموسم الصرب في جبجات بقصد تنشيط الحركة السياحية الداخلية، فيجب الوضع في عين الاعتبار أولوية الحفاظ على البيئة التي تعد المقوم الرئيسي للسياحة في محافظة ظفار؛ وذلك من خلال تعزيز حماية المسطحات الخضراء وأشجار الطلح المعمرة المهددة بالانقراض ومنع التخييم العشوائي وغير المُبرَّر لما تُصاحبه من تأثيرات سلبية على البيئة، وعلينا جميعًا- حكومة ومجتمعًا ومؤسسات مجتمع مدني وأفرادًا- أن لا نغفل أن السياحة في محافظة ظفار هي سياحة بيئية بالدرجة الأولى، وإذا لم نتكاتف لضمان استدامتها وفقا لرؤية "عُمان 2040" فسنفقدهما معًا؛ أي السياحة والبيئة في يوم من الأيام.

والسؤال الذي لا يحتاج إلى إجابة: من الذي سيختار محافظة ظفار كوجهة سياحية إذا باتت جبالها وسهولها متصحرة جرداء مُقفرة؟!