بِر الأم واحترام الزوجة

 

 

◄ يتوجب الوقوف على المعنى الحقيقي للنصوص القانونية التي يتم نشرها دون توضيح الغاية الأسمى منها

 

 

حمود بن سيف السلماني **

قال سبحانه وتعالى في محكم تنزيله بسورة الإسراء الاية (23) "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا". صدق الله العظيم.

من منطلق الآية القرآنية الكريمة، فإنِّه سبحانه وتعالى جعل منزلة الوالدين منزلة عظيمة في حياة الإنسان، وجعل عبادته مقرونة بالإحسان للوالدين، وذلك لعظم شأنهما لديه سبحانه، كون الوالدان هما من تعب وشقي من أجل أن يكبر الابن ويستطيع متابعة حياته اليومية، وصولًا للزواج والعيش مع شريكة حياته بكل سعادة وحب ومودة، لينجب الأبناء ويقوم بتربيتهم والاهتمام بهم حتى يكبروا ويستطيعوا متابعة حياتهم وصولًا للزواج وهكذا تستمر الحياة، إذًا فإنَّ البداية تكون من الوالدين في الاهتمام والاعتناء بالابن حتى يستطيع شق طريقه إلى الحياة، وتختلف طريقة عيش كل أسرة عن الأخرى، وفق مقتضيات الحياة التي اختارها والرزق المقسوم له.

وفي هذا الصدد فيكون الرجل مُلزماً شرعًا بالاهتمام بوالديه والاعتناء بهم عند الكبر والإحسان إليهما وهو ما يسمى بِبر الوالدين، ومخالفة ذلك يسمى عقوق الوالدين، وحث الرسول الكريم كذلك بالإحسان للوالدين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنفه (لصق بالتراب كناية عن الذل والمهانة)، ثم رغم أنفُه، ثم رغم أنفُه، قيل: مَن يا رسول الله؟! قال: من أدرك والديه عند الكبر، أحدَهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة). رواه مُسلم.

وفي حالة زواج الرجل وكان هو الولد الوحيد الذي  ينفق على والديه فإنِّه يلزم بأن يسكنهما معه في بيت الزوجية دون أحقية للزوجة في الاعتراض على ذلك؛ بل يتوجب عليه الإنفاق عليهما والاهتمام بهما كما أهتما به صغيرًا، ويتوجب على الزوجة المساعدة في ذلك، وهذا ما درجت عليه المجتمعات سابقًا، حيث إن الرجل يسكن في منزل والديه ويذهب هو في النهار للعمل والزوجة تخدمهما في المنزل بدون تأفف أو تذمر، ولكن مع تطور الحياة وزيادة الرفاهية وغيرها، أصبح الرجل يوفر منزلا مستقلا له ولزوجته، ويقوم بزيارة والديه بين الحين والآخر.

وفي الفترة الأخيرة بدأت تظهر بعض النشرات والتي تذكر أنه لا يحق للرجل أن يسكن أمه مع زوجته في بيت الزوجية إن شكت الزوجة الضرر، وإن كان ما نصت عليه المادة القانونية (58/أ) من قانون الأحوال الشخصية صحيحا؛ إلا أنه يتوجب علينا الوقوف عند نقطة مهمة جدًا، وهي ما الضرر المقصود هنا حتى يتم تطبيق نص المادة؛ فالضرر يجب أن يكون جسيمًا وفيه أذى للزوجة، وليس فقط أن تدعي الزوجة الضرر، كأن تذكر بأنها تعبت من خدمة الأم والأطفال، فهذا لا يعتبر ضررًا أبدًا، كما أنه لا يمكن للزوجة أن تقول إنها غير ملزمة بخدمة والدّْي الزوج، فكل ذلك لا يمكن قبوله منها نهائيًا بالمقابل فإنه يتوجب على الأم الساكنة بمنزل ابنها المتزوج، أن لا تتدخل في شؤونه الخاصة بالعلاقة الزوجية، وأن لا تؤذي زوجته؛ سواء بالقول أو الفعل أو حتى أن تذكرها بسوء مع زوجها، فكل ذلك يسبب لها ضررًا بليغًا ويجعلها تنفر من العلاقة الزوجية ومن أم الزوج، وتكون حياتها بين ضرر الأم وبين زوجها.

في هذه الحالة فإنه يحق للزوجة أن تطلب من زوجها أن يوقف الضرر الصادر من أمه تجاهها حتى تستطيع القيام بواجباتها الزوجية على أكمل وجه، والاهتمام بأم الزوج والاعتناء بها في نفس الوقت، تنفيذًا لأمر الله والرسول، وتطبيقًا لنص المادة (36/6) من قانون الأحوال الشخصية والتي توجب على كل من الزوجين احترام أبوي الآخر.

ومن هذا المنطلق يتوجب علينا بداية الوقوف على المعنى الحقيقي من المنشورات التي يتم نشرها دون توضيح الغاية الأسمى من تلك المواد القانونية، أو ماهية المقصود منها؛ حيث إن قانون الأحوال الشخصية وضع من أجل المحافظة على كيان الأسرة وتماسكها وأن يعتني كل فرد بالآخر، وليس من أجل تشتتها أو الإخلال بها، بالتالي فإن كل مادة قانونية لها غاية ومعنى من وضعها وقصد بها المصلحة العامة قبل كل شيء، مع العلم بأن قانون الأحوال الشخصية تم وضعه بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية السمحاء.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك