صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد
حادثة انتحار فتاة عُمانية انتشر خبرها قبل عدة أيام على مواقع الإنترنت العربية والعمانية، لا يجب أن تمر مرور الكرام.. نسمعها، فنستغرب منها ثم ننساها.. لكن هذه الحادثة تدق ناقوس الخطر.
شابةٌ يافعةٌ في العشرينات من العمر استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي التسلل إليها وتغيير أفكارها من خلال شعارات الحُرية والانطلاق والتمرد على سلطة الدين والأهل والمجتمع؛ فتمكنت من جذبها إليها بمُغرياتها الخيالية غير الواقعية من خلال دعم بعض المواقع وشخصياتها الغريبة والتي لا علاقة لها بمعتقداتنا الدينية وهويتنا وانتماءاتنا وعاداتنا وموروثاتنا الراقية. كما إن الذين زيَّنوا لهذه الشابة الحياة على أنها يجب أن تكون بلا قيود أو حدود لتستمتع بها وتعيشها كيفما تُريد مع من تريد بأحقية إنسانية مطلقة دون اعتبار للحرام والحلال والخطأ والصواب والأضرار الجسدية والنفسية الناتجة عن هذه الأفعال المُتحررة، كل ذلك كان وراء ما أقدمت عليه.
هكذا ألقت هذه الفتاة اليافعة التي كان ينقصها النصيحة والإرشاد والتوجيه، بنفسها إلى الهاوية فتهاوت في سقوط بلا قاع، وأصبح الأمر من مجرد فكرة خيالية مجنونة راودتها في دهاليز ذاتها إلى واقع تعيشه تجرأت على خوضه دون تبصُّرٍ لما ينتظرها من عواقب وخيمة جرّاء توقها لحرية مُزخرفة وهمية زائفة لا تمت لثقافة مجتمعنا بأي صلة.
هكذا أرادت، وهكذا حصل.. خرجت الفتاة في ليلة ظلماء من منزلها إلى المجهول ووجدت نفسها في بلدٍ ليس بلدها، ليلتقطها بعض العابثين، ثم رموها إلى ما اختارته من مصير، بجهلها وسذاجتها وضعفها، وما كادت أن تحصل على ما تُريد من انطلاقٍ وحريةٍ وتسليةٍ وانبساطٍ وإشباعٍ ذاتيٍ مزعومٍ، كما صوروه لها.
حتى صحت بعد أيام معدودة من نشوتها ووجدت أنَّ هذا الواقع الذي حلِمَتْ به وتخيّلته وتاقت إليه وتنهّدت لأجله ليس إلّا واقع مرير من القذارة والانحلال والضياع والتيه اللامحدود وأن بلادها أرحم لها وأنظف وأجمل وأكثر أمنًا، وأهلها ومجتمعها أحن عليها من كل غريب.
لم تستطع العودة، فلا خروج من متاهة مسدود طريقها داخلها مفقود. كما لم تستطع البقاء هناك في شرنقة أوجاعها بلا مُعين أو سنيد؛ إذ كان ينهشها الاكتئاب والإحساس بالذنب وتأنيب الضمير. وإذا بها تتخلص من حياتها بحثًا عن الخلاص الأبدي من عذاباتها التي جلبتها على نفسها، وأي خلاص حين تكون المنية أمنية؟!
يجب أن نتوقف هنا عند هذه الحادثة، ليست كحادثة معزولة، فكم من الذكور والإناث اليافعين الذين أصبحوا ضحايا الأفكار المستوردة الضارة والفكر المتحرر من خلال ما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي من سموم. ليس بالضرورة لهؤلاء الفتية أن تؤدي بهم هذه الأفكار إلى هجر بلدهم أو التخلص من حياتهم، إنما هناك أضرار أخلاقية وصحية ودينية ومجتمعية تمسهم من خلال تبنيهم لبعض الأفكار وتجسيدها على واقع حياتهم ليقعوا في المحظور.
لا يجب أن نتوقف مكتوفي الأيدي ونستسلم لوسائل التواصل الاجتماعي في جانبها السيئ، ونقول إنه شر لا بُدَّ منه، ونصمت دون عمل، وإذا سُؤِلنا نقول "نعمل بصمت"؛ فبعض العمل لا ينفع معه الصمت؛ بل من الواجب الوطني أن يكون الصوت عاليًا مكثفًا واضحًا لتصل الرسالة بالإرشاد والتوعية والتوجيه، وعبر إستراتيجية عمل تُنفَّذ بجدية وفق خطة مدروسة بتكاتف الجميع.
الأضرار السلبية واقعة وإنما نُريد أن نعمل على تقليل الضرر بقدر الإمكان على المجتمع، واذا استمر الوضع على ما هو عليه؛ فالأمور تتفاقم وتسوء، والأمثلة كثيرة نسمع ونرى آثارها السلبية الدخيلة على مجتمعنا في المدارس والكليات والبيوت، يسري تأثيرها الضار على الفرد والمجتمع بشكل عام، فتزداد المشاكل المجتمعية من انحرافات وانحلال أخلاقي وتخلخل القيم وضعف الوازع الديني ويزداد التفكك الأسري وإدمان المخدرات والعنف والطلاق وانعدام الطموح والمسؤولية وعدم المبالاة واليأس.
هذا نداء "موجه" للمؤسسة الدينية والإعلامية والتعليمية والاجتماعية والأهل، لمزيد من الاهتمام والرقابة والتوعية لمجتمعنا ذكورًا وإناثًا وعدم "ترك الحبل على الغارب".