محمد رامس الرواس
"اطلب السعادة في صلالة، بين السهول والجبال والأشجار والزهور والشلالات وعيون المياه، يأتي الخريف ويرحل، وبعده يأتي موسم الصرب البديع؛ حيث لا تزال الجبال ومدن الساحل بمحافظة ظفار ترتدي الوشاح الأخضر، ولا تزال العيون والجداول والسواقي مليئة بالمياه، والطير يغدو ويروح بين نسمات الطبيعة والشمس الدافئة تظهر بين الحين والآخر وتختفي بين السحب على استحياء، ففي كل منظر هناك شعور يحيي النفوس ومشاهد تستوقف الناظرين إليها".
في كل عام وفي أواخر شهر يونيو نترقب بكل شوق دخول موسم الخريف بمحافظة ظفار، ذلك الفصل البديع المجدد للطبيعة، والناشر للحبور والبهجة لما يحوي من أجواء استثنائية تحمل بين جنباتها الجمال الخلاب والمناظر الفريدة والأوقات المتجددة، فتنتقل نفسياتنا إيجابًا مع أولى قطرات المطر التي تحمل بشائر دخوله فتطرب أفئدتنا فرحا وسعادة وحبورًا.
يأتي الخريف ومعه أوقات مليئة بالمتعة والمعرفة والترفيه، المناظر أمام أعيننا تتبدل من أجمل إلى أجمل، والوجوه حولنا تستبشر بهجة وسعادة، فالخريف أحد ابتسامات الطبيعة الذي تسعد به القلوب والنفوس، وتتفجر معه أحاسيس الإبداع؛ فينثر فيه الشعراء بأجمل قصائدهم، ويلهو الأطفال فيه بأجمل ألعابهم.
يأتي الخريف فتكتسي الوديان والسهول والجبال بالزهور المتنوعة والنادرة، وتشدو الطيور أغانيها العذبة، بينما تسمع أصوات أغاني الأعراس تصدح في كل حي من أحياء المدينة فتطرب القلوب والنفوس، وكأنما أستمع إلى قول المتنبي:
إذا غنّى الحمامُ الورقُ فيها
جابْتهُ أغانيُّ القيانِ
إنَّ عطاء الخالق سبحانه وتعالى في فصل الخريف يتجلى في لوحات الطبيعة الخلابة، وعند عيون المياه وهي تنضح فتمتلئ السواقي والجداول وتنهمر الشلالات المتدفقة فتحمل بين طياتها هدير عذب تعشقه الآذان قبل العيون، مع نسمات ورذاذ وعبير زهور فواحة.
يأتي الخريف المحبب لعشاق المتعة والطرب؛ فلا تتوقف الأعراس والمناسبات والاحتفالات السعيدة، وتتردد أصوات الشرح والبرعة والربوبة بنغمات آسرة خلابة لمحبي هذه الرقصات ذات اللحن الشجي والحركات المعبرة.
يأتي الخريف لمحبي الثقافة والأدب والفنون والتسوق والبرامج المثرية بالمعرفة والأمسيات الشاعرية بالعديد من الفعاليات والأنشطة المتنوعة؛ فيجد كل واحد منا شغفه ومتعته.
يأتي الخريف ثم يرحل مثل باقي سنن الحياة بالكون، لكن ما يسلينا أنه يأتي بعده فصل الصرب الرائع، ويترك لنا بعد رحيله اللون الأخضر القاني في أجمل ألوانه، وتشرق الشمس الدافئة عليه لتنير للناظرين ما خلفه فصل الخريف من مناظر رائعة يتمتع بها عشاق الطبيعة؛ فينطلق الناس إلى السهول المفتوحة طلباً للسمر ومتعة الاجتماع مع الأهل والأحبة .
يرحل الخريف فيأتي الصرب؛ فتتجدد معه المتعة وتطيب برفقته الأوقات تحت ضوء القمر المنير مع نسمات الجنوب الباردة، ويشبع الناس أعينهم بالنظر إلى المروج الخضراء، وتتمتع نفوسهم بروائح الزهور العطرية الفواحة.
قد لا يتفق معي الكثير، لكن فصل الصرب بمحافظة ظفار هو الفصل المفضل عندي؛ فالبهجة كلها تكمن فيه، وجمال الطبيعة أقرب فيه إلى النفوس، ونسائم الزهور تصادق الأنوف والأرواح، إنه بحق موسم صفوة الطبيعة لما يحتويه من مفردات شاعرية، مفردات تتهادى بين طيور تصدح بأجمل الأصوات، ونسمات عبير فواحة تمتلئ بها الأودية، وشجيرات وزهور تتفاخر زاهية بالمروج الساحرة؛ فتشدو الطيور فيها بغنج ودلال بين السهول والمسطحات الخضراء.