أبو الفنون

 

وداد الإسطنبولي

بدايةً أُحاول أنْ أهدأَ وأتأنَّى في كِتابتي لهذا المقال الذي هو رؤيتي الخاصة ونقدي النافع فيما أصغيتُ إليه وخَبَرته من تلك المشاهد المرئية.

أقول: إنَّنا في مسرح الحياة الكبير الذي لا يخلو من العقبات والمطبات والأعمال والانشغالات، وتطوفُ حولنا أمورٌ كثيرة تُنسينا ابتساماتنا وضحكاتنا لهذا نجدُ أنَّ هذا المسرح الكبير الواسع أُخِذَ منه ذلك الفن العظيم ولُقِّبَ بأبي الفنون؛ لأن الحركة على خشبة أرضه تقتربُ من أرض الواقع في حياتنا، مُعلنًا بذلك عن ميزات هذا الفن وما يتضمنه من مهارات فنية وعملية وإيحاءات، إضافةً إلى اتصاله بالمجتمع مُباشرة؛ لأن مهمته العظيمة أولا تقديم تلك الرسائل الهادفة التي تُرسلُ إلينا بواقع فُكاهي، وحل القضايا الاجتماعية في إطار كوميدي، وإزاحة الهم عن كاهل الناس، وإخراجهم من رتابة الأحداث اليومية والروتين المبتذل إلى جو يسوده الضحك والابتسامة التي توسع الصدر، وكل هذا من خلال ذلك الجسد الذي يبذل جهدًا للوصول إلى ذلك القابع على كراسي المدرجات، يُحاول رسمَ قهقهة مُدوِّية على ملامحه، وأخرى تُثير معها دموع الابتسام.

هذا الفن الأصيل" المسرح" الذي شهدناه خلال فعاليات مهرجان خريف صلالة لعام 2023 في مسرحيتين هُما: "البمبي في الغربة" للكاتب القدير نعيم، والأخرى "عيال الرزة" للكاتب شامس. وكان هناك تفاعلٌ حركيٌّ بين فرقة طاقة الأهلية وفرقة السلطنة، وتقارب بينهما من حيث الرسالة الموصلة للمجتمع بعمل بديع. ولأبتعد عن الفرق لأنني لستُ بمحللة ولكنني أضعُ النقط على السطور كوني من المشاهدين فلي أنْ أُبدي رأيي فيها.

 يبدأ هذا العمل تفاعله عندما يرتفع ذلك الستار كاستيقاظ الشمس من سباتها مُشرقةً لتدخلَ السرور في القلوب، فيُقَدِّر ويحترم الطرفان المشاهد، نحن والعاملون على الخشبة بما تقتضيه عاداتنا وتقاليدنا، ثم الإيمان بالمواهب العائمة داخل النفس؛ فهي تؤدي ما لديها من فن للعلن دون تقييد؛ لأن المسرح لا يعرف القيد، فأجنحته تحتاج إلى الطيران بتحكمٍ واحترامٍ لسربها دون خدش.

التوافق واحترام الذات للذات أسس مهمة، والقصد ألا يتمادى أحد الأطرف في حركة ما وتكرارها مرارًا على حِساب زميله فقط لأنها أضحكت الجمهور فلربما تضر صاحبها في التمادي وأنت لا تدري.

الجموحُ في الكتابة هو ما يُظهر فن الكاتب بين السطور ويتفوق به، والمسرح كذلك على الممثل أن يكون جامحًا وجريئًا ليخرج بغزارة ذلك الفن الذي بداخله، وأذكر أن أعمال المشاهير من الفنانين العمالقة قد أبدعوا في كلِّ شيء، وتقمصوا التمثيل بكل أنواعه كغوار الطوشي، وناصر القصبي، وحسين عبد الرضا وغيرهم الكثير، وأسماؤهم بارزة وعظيمة بأعمالهم التي عُرِضَتْ بجدارة وبكل واقعية دون أن يخل هذا بالعادات.

التزين بالفن يتركُ أثرًا أنيقًا وعظيمًا، فافتحوا الآفاق أمام بعض المُمثلين فلربما لديهم مهارات أخرى، فهُم كنزٌ لقادمٍ أفضل يليقُ بعملٍ فني أصيل آخر.

الأعمال تحمل مواصفات النجاح والتميز، والشكر أبثه إلى الكاتب والمخرج اللذين بالفعل كانا بداية هذا الحراك.

ونرجو الاهتمام من المعنيين بهذه الفرق المسرحية التي تجسد واجهة للثقافة بشكل عام والمسرح بشكل خاص للارتقاء والتطوير والنهوض بمكانة الوطن.