عندما تكون الأدوية "سم قاتل"!

تحذيرات من تناول العقاقير الطبية دون استشارة الطبيب.. و"الخلطات الشعبية" قد تدمر الصحة وتسبب الوفاة

◄ تناول الأدوية بشكل عشوائي قد يصيب بنزيف الجهاز الهضمي

◄ تختلف جرعات الأدوية من مريض لآخر حسب حالة كل شخص

◄ الإفراط في تناول المسكنات قد يصيب بالفشل الكبدي

وفاة شخص يوميًا بسبب الأدوية الخاطئة حول العالم.. وإنفاق 42 مليار دولار سنويا نتيجة أخطاء التداوي

الرؤية- سارة العبرية

تُعد المضاعفات الصحية الناتجة عن تناول أدوية خاطئة أو دون استشارة طبية، من أبرز التحديات التي تواجه القطاع الصحي في مختلف دول العالم، إذ ترتبط هذه المشكلة بثقافات بعض الأفراد الذين يقبلون على تناول جرعات من الأدوية أو من الخلطات الشعبية دون استشارة طبيب متخصص، الأمر الذي يتسبب في حدوث اضطرابات صحية عقب تناول هذه الجرعات، أو الإصابة بأمراض مُزمنة على المدى البعيد.

وعلى الرغم من الجهود الرامية إلى توعية الجمهور بشأن الاستخدام الآمن للأدوية، إلا أن حوادث السموم الناتجة عن تناول الجرعات الزائدة أو التفاعلات السلبية بين الأدوية مستمرة، الأمر الذي يحتاج إلى تكاتف بين مختلف المؤسسات للحد من هذه الظاهرة وتوعية الجمهور بالتداعيات الخطيرة التي تلحق بهم نتيجة هذه الممارسات والتي قد تؤدي إلى الوفاة، بالإضافة إلى أهمية توفير المعلومات الدقيقة للجمهور وتدريب الكوادر الطبية والصيدلانية على تقديم النصائح والإرشادات المناسبة.

ويقول الدكتور أحمد بن حمد الوهيبي استشاري أول طب أسرة ومجتمع بوزارة الصحة، إن بعض المرضى يقبل على تناول الأدوية دون استشارة الطبيب، لاعتقادهم أن هناك بعض المشكلات الصحية التي يمكن التعافي منها دون مراجعة الأطباء، لافتاً إلى أن هذا التصرف يضر بصاحبه لأن تناول الأدوية بشكل عشوائي يزيد من احتمالية الإصابة بالآثار الجانبية لهذه الأدوية، والمتمثلة في القيء والدوار والصداع ونزيف الجهاز الهضمي، إذ إنَّ الشخص عند تناول مضادات الهيستامين المعالجة للحساسية على سبيل المثال، يشعر بفقدان التوازن والرغبة الشديدة في النعاس.

د. أحمد الوهيبي.JPG
 

ويضيف أن جميع الأدوية تصنف على أنها خطيرة إذا تناولها الشخص دون استشارة طبية، فمثلاً: هناك أدوية يعتبرها النَّاس عادية ولكنها تشكل خطرا على حياتهم مثل المسكنات بمختلف أنواعها، لأن تناول دواء البراستمول أو البندول بشكل خاطئ قد يؤدي إلى  الإصابة بفشل الكبد، كما أن دواء البروفين قد يسبب قرحة في المعدة، وأدوية الضغط والسكري تعتبر من الأدوية التي يجب استشارة الطبيب قبل تناولها ولا يجب أن يتناولها مريض آخر بنفس المرض، لأنَّ الحالة المرضية تختلف من شخص إلى آخر، لافتًا إلى أن الأدوية المنومة وأدوية الصرع والحالات النفسية تكون خطيرة عند استخدامها بشكل غير صحيح.

ويوضح الوهيبي أن تجاوز الجرعات التي يوصي بها الأطباء يشكل خطرا على صحة المريض، كما أن هناك أدوية قد يتسبب الإفراط في تناولها إلى الوصول إلى مرحلة الإدمان، بالإضافة إلى أن هناك أدوية أخرى تسبب النعاس والصداع والإمساك أو الإسهال، والاضطرابات العصبية وضعف العضلات وفقدان الرغبة الجنسية والعديد من الآثار الجانبية.

مخاطر تفاعل الأدوية

ويبيّن الدكتور أحمد أنَّ الأدوية قد تتفاعل مع بعضها عند تناولها في نفس الوقت، الأمر الذي قد يُهدد الصحة العامة، موضحًا: "مثلًا إذا تناول الشخص دواءً مسكنًا مثل ايبوبروفين مع دواء مضاد للالتهاب، فمن الممكن أن يضر ذلك بصحة الكلى أو الكبد، لأنهما يحتويان على المواد النشطة نفسها، ولا تقتصر مخاطر تفاعل الأدوية مع بعضها البعض على الإضرار بصحة المريض؛ بل قد تفقد بعض العقاقير فعاليتها عند تناولها مع عقاقير أخرى، فعلى سبيل المثال، تعمل أدوية تخفيف الاحتقان في حالة نزلات البرد على رفع ضغط الدم، وهو ما يتعارض مع الأدوية المخصصة لخفض الضغط، وأيضًا أدوية سيولة الدم قد تتفاعل مع المسكن ايبوبروفين؛ لذلك فإنَّ التاريخ المرضي الدوائي للمريض مهم لتجنب حدوث أي عواقب ومضاعفات، كما أن سوء تخزين الأدوية يُغير من الخصائص الدوائية من ناحية التركيب الكيميائي وبالتالي يفقد الدواء تأثيره".

ويذكر استشاري أول طب أسرة ومجتمع بوزارة الصحة، أن هناك بعض الفئات الأكثر عرضة للتعرض للآثار الجانبية للأدوية دون استشارة الطبيب، مثل صغار السن وكبار السن والنساء الحوامل والمُرضعات، كما أن هناك بعض الأشخاص الممنوعين من تناول أكثر من دواء في نفس الوقت، لأن هذه العادة قد تعرضهم لخطر الإصابة ببعض المضاعفات الصحية، وأبرزهم الأطفال وكبار السن ومرضى الربو ومرضى النزيف وتجلط الدم، والأشخاص الذين يعانون من مشكلات في التنفس ومرضى الكبد والكلى، وكذلك مرضى قصور أو فرط نشاط الغدة الدرقية، والمصابين بأمراض الجهاز المناعي والصرع والسكري وأمراض القلب والضغط المرتفع والنقرس، وأيضًا المصابين بمرض باركنسون "اضطراب يصيب الجهاز العصبي ويؤثر على الحركة".

ويرى الوهيبي أن الصيدلي عليه دورا كبيرا في توعية المرضى بكيفية تناول الدواء بالشكل الصحيح، كما أنه يعتبر أحد الركائز الأساسية في المنظومة الصحية ويلعب دورا في تثقيف المرضى ومعرفة الملف الصحي للمريض حتى لا يقع في الأضرار الصحية التي تؤذيه، إذ إن الصيدلي يمتلك معرفة واسعة بتفاعل الأدوية وتأثيرها على كل مريض، وعليه أن يشرح بالتفصيل طريقة تناول الجرعات بالشكل الصحيح؟

التقارير والإحصائيات

وتُشير الإحصائيات إلى أن أخطاء التداوي تتسبب في وفاة شخص على الأقل يوميًا، بالإضافة إلى إصابة حوالي 1.3 مليون فرد سنويًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أن التقديرات تُشير إلى أن معدلات الأحداث الضارة المرتبطة بالتداوي في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط تعادل تلك الموجودة في الدول ذات الدخل العالي، إلا أن تأثيرها يتضاعف تقريبًا في البلدان ذات الدخل العالي من حيث عدد السنوات التي يعيشها الأفراد بصحة جيدة.

وعلى الصعيد العالمي، قدرت التكلفة المرتبطة بأخطاء التداوي بنحو 42 مليار دولار أمريكي سنوياً أو ما يناهز 1% من إجمالي الإنفاق الصحي العالمي.

ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة عن المخدرات والجريمة لعام 2021، كانت الأدوية المؤثرة على الجهاز العصبي المركزي مثل المهدئات والمنومات تعتبر واحدة من أكثر الفئات الدوائية تسببًا في حالات الوفاة المرتبطة بالمخدرات في بعض البلدان.

وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة كبيرة من استخدام المضادات الحيوية في بعض البلدان غير مبررة، مما يزيد من مخاطر تطور المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية.

وذكر مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، أن هناك زيادة في حالات الإدمان والوفيات المرتبطة بالأفيونات والمواد المسكنة للألم في السنوات الأخيرة.

وفي عام 2019 أشار تقرير عن مجموعة الصحة العقلية العالمية، إلى نحو 30% من مرضى الأمراض النفسية لا يحصلون على العلاج اللازم أو يتلقونه بشكل غير مناسب.

ويوجه الوهيبي بضرورة عدم اللجوء إلى تناول المضاد الحيوي إلا بأمرٍ من الطبيب وبجرعات محددة، ناصحًا: "لا تلح على الطبيب بوصف المضاد الحيوي، حتى تتجنب مشكلة المقاومة للمضادات الحيوية، لأنه في يوم من الأيام ربما تستدعي حالتك بالعلاج بهذا المضاد ولكن بسبب الاستعمال الخاطئ أو استخدامه في حالة لا تستدعي العلاج بمضاد حيوي تتولد مناعة لديك من هذا المضاد وبالتالي يصبح هذا المضاد غير فعّال في العلاج".

كما ينصح بعدم اللجوء إلى الخلطات الشعبية ما لم تخضع للتجارب العلمية المعتمدة دوليًا، لأنَّ هناك الكثير من المشاكل والمضاعفات تحدث للكثير من الأشخاص بسبب هذه الخلطات غير المعتمدة.

دور الإعلام

ولمواجهة بعض الثقافات المرتبطة بتناول الأدوية دون إرشاد طبي، فإن الإعلام عليه دور مهم لتسليط الضوء على هذه القضية الخطيرة والتحذير من التداول الخاطئ لها، وتكثيف حملات التوعية والتثقيف عن طريق الأخبار والتقارير المتعلقة بالأدوية الخطيرة، وتوجيه الانتباه إلى مخاطر الاستخدام الخاطئ والتداول غير السليم للأدوية، بالإضافة إلى نشر التجارب والقصص الشخصية للذين تعرضوا لمشاكل صحية بسبب الاستخدام غير الصحيح للأدوية.

تعليق عبر الفيس بوك